رأي

نظرة في معاني التنوع والتجانس


هل نحن جاهزون للتنوع؟ هل يجدر بنا أن نعيش التعدد ونختبره؟ أم أننا بلا مواربة ودجل، قاصرون بعد عن أشكال الانتظام السياسي المتنوع! يبدو إنها الحقيقة، فنحن لم نختبر إلاّ العيش في ظل، إمّا خلافة مترامية الأطراف أو سلطنة شاسعة، أو أشكال استعمارية وانتدابية.. أمّا "الدول" والكيانات الوطنية التي تسلمت دفة الحكم بعدها، فقد سقطت كلها بالوجه الشرعي المبين، وبانت عما يشبه المزارع و"العزب"، أو الشركات الخاصة على أبعد تقدير، وليس دول!


وبالنظر الى حالات التنوع، أي الى الدول ذات الأقليات والأكثيريات، فهذا ما عهدنا أشكاله الدامية والمتفجرة والمتصادمة، من لبنان الى اليمن وسوريا والعراق..


أمّا الحالات التي يغلب على مجتمعاتها طابع   التجانس، أو الأكثريات، فهي مدعاة تخوف الجميع، الخارج والداخل، الأول لأن هذه الأكثريات سرعان ما تجنح نحو الاستبداد والتمدد ومشاريع الخلافة والامبراطوريات الطامحة، وهذا ما يثير قلق الخارج على مصالحه وربما على أراضيه، هو ما يمكن أن يعنيه هذا التوسع و"التجانس" المتماسك، من احتمالات نشوب الحروب والنزاعات. هذا فيما هواجس الداخل فهي نابعة في الغالب، من مخاوف ورهاب الأقليات الأزلي من استبداد الأكثريات، ومحاولاتها الدوؤبة نحو ازالة الفوارق واحلال التجانس المريع والمريح!


لهذا نرى جنوح هذا الخارج دائمًا نحو التعامل مع هذه الأقليات لأنه يجدها "عقلانية" أكثر ويمكن السيطرة على "طموحاتها" ولجمها ويسهل تاليًا التعامل معها، على عكس الأكثرية التي تتسع الاحتمالات معها نحو التشظي والانفجار والتصادم الناجم عن غلو وتضخم أو "لاعقلانية" النظرة الى الذات "المتخيلة" و"المفتعلة" بجزء كبير!


وما لبنان والعراق واليمن وسوريا الاّ نماذج شاخصة ونابضة، على هذا القلق والتشظي والاضطراب!


أمّا العهد القوي الآفل والحافل بالمفاجآت والانهيارات الجهنمية، فإنه سوف يتصدر كتب التاريخ والأرقام القياسية، على أنه أسوأ وأفشل عهد مرّ على تاريخ "الأمة" اللبنانية المتجانسة، من ضمن التنوع! هذا التنوع، الذي هو مصدر قوتها في ضعفها، إلاّ إنه أيضاً، عِلّة كل وطن، وما يزيد كل طينٍ بِلّة!

ناجي طاهر

كاتب وصحافي