يواصل المجتمع العلمي اكتشافاته في غنى التنوع البيولوجي في لبنان قديما وحديثا، وهنا نعرض دراسة نشرت اليوم 2 نيسان/أبريل في موقع The Royal Society publishing group في مجلة Royal Society Open Science العالمية المرموقة، وساهم فيها الباحثون البروفسور داني عازار Dany Azar من لبنان، الباحث ماريو شاديل Mario Schädel من ألمانيا، الدكتورة ليلى الحاج Layla El Hajj والبروفسورة سيبيل مقصود Sibelle Maksoud من الجامعة اللبنانية في لبنان، والدكتورة نينون روبين Ninon Robinمن فرنسا، وتمحورت حول اكتشاف "متساويات أرجل" أو "نظيرات أرجل" أحفورية محفوظة في حجر طيني زيتي صفائحي (dysodile) من العصر الطباشيري السفلي في لبنان (الباريمي السفلي (Lower Barremian، قبل 125 مليون سنة، في الطبقات الرملية اللبنانية Grès du Liban، قضاء جزين)، وبناءً على مجموعة متنوعة من الدلالات، حُددت بيئاتها القديمة على أنها بحيرة (مستنقع) مياه عذبة ضحلة، وقد دُرست نظيرات الأرجل الأحفورية باستخدام تقنيات التصوير الحديثة، مثل التصوير متعدد الأطياف والتصوير المجسم الضوئي، مما يسمح بمقارنة تفصيلية لهذه العينات مع الأنواع الأحفورية والأنواع الباقية المماثلة، تُعرف الأحافير من نفس النوع هنا على أنها بقايا نوع جديد - Dysopodus gezei gen. et sp. nov. - ذو صلة غير مؤكدة بفصيلة "السيموثويدات" Cymothoida، ويحمل تشابهًا كبيرًا مع سلالاته غير الطفيلية، وحتى الآن، فُسِّر التوزيع الحيوي الجغرافي للحيوانات الجوفية في منطقة البحر الأبيض المتوسط بشكل رئيسي من خلال عملية عزل سلبية للأنواع البحرية السابقة، مدفوعة بتراجع السواحل. تُقدم الحفريات التي يعود تاريخها إلى 125 مليون عام من لبنان، والتي نشأت في بيئة بحيرة مياه عذبة، منظورًا غير تقليدي حول الأصل التطوري للسيموثويدات الموجودة التي تعيش في الكهوف والمياه الجوفية.
ومتساويات الأرجل هي مجموعة متنوعة من القشريات تضم أكثر من 10 آلاف نوع موجود موصوف، توجد معظم الأنواع في بيئات بحرية مختلفة تتراوح من أعماق البحار إلى الشواطئ الرملية والشواطئ الصخرية، ويمكن اعتبار متساويات الأرجل مجموعة بحرية في المقام الأول، ومن المرجح أن يكون أحدث سلف مشترك لجميع متساويات الأرجل بحريًا، ومع ذلك، هناك أيضًا العديد من أنواع متساويات الأرجل التي تعيش خارج المجال البحري. تضم مجموعة داخلية غنية بالأنواع من متساويات الأرجل - Oniscidea - أكثر من 3800 نوع، يعيش معظمها في موائل أرضية كاملة مختلفة [1،3]. إلى جانب البيئات البحرية والبرية، تعيش نظائر الأرجل أيضًا في بيئات المياه المالحة والعذبة، حيث يعيش حوالي 1000 نوع موصوف في المياه العذبة، وقد استعمرت متساويات الأرجل موائل المياه العذبة عدة مرات مستقلة، مما أدى إلى وجود مجموعة متنوعة من الأصناف المتميزة في موائل المياه العذبة.
ووفقا للدراسة "تفسر الأحفورتان المعروضتان هنا على أنهما تنتميان إلى نوع واحد - Dysopodus gezei gen. et sp. nov. - ضمن Cymothoida، حيث لا يُعرف موقعها الدقيق، ومع ذلك، من الواضح أنها لا تنتمي إلى أي من سلالات Cymothoida الطفيلية أو المفترسة الدقيقة، وتشبه إلى حد كبير الأنواع الموجودة من فصيلة "Cirolanidae" ، ويُذكرنا Dysopodus gezei gen. et sp. nov. كثيرًا بنوع منقرض آخر، وهو Pseudoplakolana chiapaneca gen. nov. et comb. nov.، من العصر الطباشيري السفلي في المكسيك، بالإضافة إلى أحفورة غير موصوفة رسميًا من نفس العمر عُثر عليها أيضًا في المكسيك (من المرجح أنها وثيقة الصلة أو من نفس النوع مع P. chiapaneca gen. nov. et comb. nov. ، ولا توجد إلا في عدد قليل من الأنواع غير الطفيلية من السيموثيدا، ولا سيما في العديد من أنواع المياه العذبة الجوفية".
وتابعت الدراسة: "تمثل اكتشافات الأحفوريات الموصوفة هنا اكتشافًا نادرًا لأحافير متساويات الأرجل من بيئة مياه عذبة. هذا يضع أصل السيموثويدات غير الطفيلية التي تعيش في المياه العذبة في منظور جديد. كما وأن وجود السيموثويدات في المياه العذبة في منطقة تيثيان الشرقية خلال العصر الطباشيري المبكر يُلقي ضوءًا مختلفًا على أصل حيوانات المياه العذبة الموجودة/ ومع إمكانية الحفاظ على تفاصيل مورفولوجية دقيقة، يمكن لعينات إضافية من هذا النوع أن تُوفر تفاصيل مورفولوجية أكثر، والتي يُمكن استخدامها لاحقًا لاستخلاص استنتاجات أدق حول علاقة أنواع المياه العذبة التي عاشت في العصر الطباشيري بحيوانات الكهوف والمياه الجوفية الموجودة".
وقال البروفسور داني عازار لموقعنا "زوايا ميديا": " متساويات الأرجل isopode من القشريات crustaceans بعضها يعيش على اليابسة وفي المياه العذبة والمياه المالحة، وما وجدناه يعيش في المياه العذبة رغم أنه ينتمي لنفس المجموعة التي تعيش في المياه المالحة، وهذه أهميته، وينتمي إلى "ما فوق الرتبة" Super order واسمها السيموثويدات، وأهميته أيضا أنه ضمن هذه المجموعة طفيليات تعيش داخل أفواه الأسماك، ويتغذون على دمائها، ولكن هذا النوع يعيش حرا، أي غير طفيلي، وعرفنا أنه يعيش في بيئة مستنقع مياه عذبة ضحلة قريب من البحر على شمال شرق قارة غوندوانا على خط الإستواء، وهذا المستنقع المتحجر موجود في منطقة بكاسين وبعدة مناطق لبنانية أخرى شمالا وجنوبا وفي وسط لبنان، وقد اسمينا هذا الكائن الحي الجديد Dysopodus gezei على اسم البروفسور ريمون جيز Raymond Gèze، وهو من أعمدة علم الأحفوريات في لبنان وهو من فرنسا وكان أستاذا في الجامعة اللبنانية، وحاليا هو أستاذ متقاعد، وهو مرجع لهذا العلم في لبنان والعالم، وهذا الكائن محفوظ في تربة صخرية زيتية وغنية جدا بالبترول بنسبة 27 بالمئة، وحول هذه المنطقة الغابة التي أعطت العنبر (الكهرمان) التي تساهم بالكثير من الدراسات حول الكائنات الحية الأحفورية المحفوظة فيه، وبهذا يمكننا التعرف على البيئة الكاملة بين العنبر والمستنقعات الموجودة داخل هذه الغابة"
وأضاف: "قريبا، سننشر الكثير من الإكتشافات داخل هذه المستنقعات المتحجرة، وهي أمور هامة للغاية، ويمكننا القيام بمقارنة مع كائنات أحفورية في مناطق أخرى في الصين وبلجيكا وإسبانيا، حيث يمكننا التعرف على أنماط المناخ القديمة فضلا عن التنوع البيولوجي في العالم، حيث كان لبنان الوحيد على خط الإستواء حينها، بينما المناطق الأخرى في مناطق معتدلة وباردة".
وتابع: "هذا الموقع غير معرض للخطر لأنه داخل غابة، ولكن من المفترض حمايته، وحاليا نتواصل مع أعضاء من الحكومة، وقد أبدوا إيجابية لجهة حماية هذه المواقع، والعمل على إنشاء متحف طبيعي يحفظ هذه العينات المكتشفة فضلا عن التنوع البيولوجي الذي يتواجد في البيئات اللبنانية سواء الحالية أو من الماضي عبر الأحافير المكتشفة، ويعد وجود هذا المتحف الطبيعي مهما جدا، فلم يخذلنا لبنان على الصعيد العلمي، فهو بلد فريد من نوعه في كافة المناحي والمجالات، وهناك اكتشافات جديدة تحصل بوتيرة مستمرة، ونحتاج للطاقات الجديدة والشبابية وسواعد قوية لتساهم معنا في هذه الإكتشافات العلمية لنبني هذا البلد علميا، فبالعلم يمكن لبلدنا الصغير أن يكتسح، وليس ذلك فحسب بل أن ينافس على الصعيد العلمي العالمي، وأن نقوم بدور ريادي، وأمنيتي أن يتم العمل على هذا المتحف الطبيعي وأن تتم حماية هذه المناطق".
