رأي

أثر التكنولوجيا ووسائطها على الثقافة وأدواتها

شهدت العقود الأخيرة من المرحلة التي نعيشها معاصر ثورة علمية حقيقية في جميع الميادين وعلى مختلف الصُعُد، وقد أنتجت للبشرية حزمة مهمة من الإنجازات والاختراعات التي ننعم بها وخاصة على صعيد التكنولوجيا أوُ(التقانة). ويعد مصطلح "تكنولوجيا" من المصطلحات التي تتباين الافراد في فهمها، أما أثرها فلا يختلف عليه اثنان، فقد غزت كافة نواحي الحياة ومنها الثقافية، حيث لا يمكن للتكنولوجيا أن تبقى حيادية وهي تمتلك مفاتيح الثقافة من خلال وسائطها (الأدوات، الوسائل) ولا سيما ذات الطبيعة الاعلامية ومنها الرقمية التعليمية والتفاعلية وغيرها، فكانت عملية الاختراق الثقافي وسيطرة الثقافات القوية تكنولوجيا على الثقافات الأضعف تكنولوجيا ً وهو ما يعرف اليوم بمصطلح( العولمة) وصولا إلى استبدال ثقافة الكتاب بثقافة الصورة والسرعة وتهديد ثقافات أصيلة بالمجتمع ودخول ثقافات حديثة وغريبة بالكامل.


من الأمثلة ثقافة المؤثرين على مواقع التواصل وقوة تأثيرهم بتقاليد وقيم اجتماعية كما يحصل بمفهوم الشهرة والنجاح ومعاييره التي أضحت تقاس بعدد المتابعين وليس بعدد المنجزات، وهذا كله تحت شعار الإنفتاح ومواكبة العصر مما شكل الفارق الكبير في الذائقة العامة ونمط الحياة بين الاجيال والتأثير بالرأي العام أو تكوينه من جديد.


والتكنولوجيا بطبيعتها حمّالة قيم المجتمع الذي صُدرت منه، وهنا تكمن خطورتها، ولشدة ذكاء صُناع هذه المواقع والتطبيقات المقدمة بقوالب مثيرة تحاكي عقول وغرائز هذا الجيل، كما هو الحال في الألعاب الإلكترونية التي تحولت اليوم إلى ثقافة وحالة من الإدمان المرضي تستطيع من خلالها تمرير رسائل خفية ملونة تلائم مصالح شركات وبلاد هذه الصناعة.


ولا ننسى صناعة الأفلام الكرتونية الخاصة بالأطفال وهي من أخطر مصادر توجيه الطفل والتأثير به لما لها من جاذبية بصرية قوية، فضلا عن توظيفها بدَس أفكار كالسُم وتقديمها كوجبة طعام سهلة المنال على أجهزتهم الذكية، حتى باتت اليوم هذه المواقع والبرامج شريك قوي في التربية والتعليم وتسبق الأبوين والأسرة أحيانا بقوة تأثيرها.


وكما نعرف إن التعليم والثقافة تربطهما علاقة تكاملية متداخلة، فقد استثمرت المنظومة التعليمية أيضا ً التكنولوجيا في عملية التعليم، وجعله أكثر متعة وسهولة للطالب عن طريق الأجهزة اللوحية وفاعلية الفيديو، ما أسهم بابتكار فكرة التعليم عن بعد الذي تجاوز الزمان والمكان.


والمثبت إن وسائل التواصل الاجتماعي سيف ذو حدين حيث إنها أفقدت الإعلام التقليدي الكثير من دوره وأهميته، لكنها أتاحت لكل شخص في هذا العالم منصة خاصة به، يستطيع من خلالها تقديم ما يريد وامكانية التواصل بلمح البصر من الشرق إلى الغرب بالصوت والصورة، ما ساهم بتقريب الشاسع من المسافات وفرصة للتبادل الفكري والثقافي والتفاعل المتبادل.


كما لم تسلم الفنون والآداب بعمومها من عدوى التكنولوجيا وهي جزء من النشاط الإنساني ومن صلب الحياة الثقافية، ولا شك فيه أن هذا الفضاء الالكتروني خلق بيئة تخطت الحدود للحوار وتبادل الأفكار والخبرات وتواصل المدارس الفنية فيما بينها وتنظيم معارض وندوات افتراضية، وحصل في بعض المعارض الفنية دمج بين اللوحة واستخدام تقَنيات الإضاءة وَالصوت كمؤثرات مَنحت المتلقي إحساسا إضافيا وبُعد غير لوني في اللوحة.


وأيضا ً نتج الأدب التفاعلي عندما دُمجت التكنولوجيا مع الأدب (شعر، قصة، رواية، مسرحية) وأُطلق عليه (التكنوأدبي).


ولحقت الموسيقا كذلك بالتكنولوجيا وأنتجت نوع موسيقا جديد يُدعى (تكنوموسيقا) حيث انتشرت ولاقت رواجا سريعاعند فئة الشباب.


وبالخلاصة إن حياة الثقافة وأدواتها اليوم ستكون شبه مستحيلة من دون التكنولوجيا ووسائطها، وخصوصا مع المجال الآتي المرعب (الذكاء الإصطناعي) القادر على القيام بأعمال تتطلب عادة الكثير من الجهد والذكاء البشري، فقد صَّير الآلة تفكر وتتصرف عن الانسان وتحل جميع المشكلات في الكثير من التخصصات، وربما سيصل الحال بنا إلى فقدان مهن عديدة في المستقبل والقادم أكثر دهشة.


وآخر القول إن الزمن يتغير ولا يتوقف والتكنولوجيون من سيغيرون العالم وليس الفلاسفه وليس من المهم قبول أو رفض هذه المتغيرات إنما التحدي المطروح بشدة هو كيفية التعامل مع هذا الواقع المتجدد وتوجيهه لما فيه الخير لمستقبل الانسان.


 

جميل عبود

كاتب سوري