كتب شهاب جرادة في موقع Levant’s Agora
في لبنان رئيس الجمهورية حارس الدستور، وكل الطبقة السياسية تدّعي الإلتزام بالدستور والغيرة عليه، فيما الدستور نفسه يمنع الإصلاح والتغيير. نعم، فالدستور اللبناني في المادة 34 منه (لا يكون اجتماع المجلس قانونياً ما لم تحضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلفونه) أي يعطي الفرصة للقوى السياسية في تعطيل عمل المجلس وفي المادة 49 منه (ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي)، ما يجعل من انتخاب رئيس للجمهورية أمرا قريبا جدا من المستحيل إلّا في حال توافق القوى الإقليمية والدولية الراعية للأطراف السياسية المحلية الفاعلة خاصة في ظل ممارسة مخالِفة للدستور تفتي بضرورة نصاب الثلثين الغير منصوص عنها في الدستور، وفي المادة 77 يجعل من نفسه نصّاً مقدّساً غير قابل للتعديل إلّا بشق النفس وتحت طائلة حل مجلس النواب حتى لو وافق ثلاثة ارباع اعضائه على التعديل المطلوب.
أمّا الواقع السياسي المشرذم مناطقيا وحزبيا ومذهبيا داخليا والمستتبع إلى قوى إقليمية ودولية متعددة خارجيا فيزيد الطين بلّة ويضيف إلى عقم الدستور عقما سياسيا واستعصاء واضحا فاضحا عند أية محاولة استعراضية أم جادة لإحداث أي تغيير أو تقدّم أو إصلاح في شكل وجوهر النظام والمنظومة حتّى ولو كانت هذه المحاولات على يد أطراف داخلية قوية وتحت رعايات إقليمية ودولية كبرى
ومن هنا بداية نرى مدى صعوبة الواقع السياسي المسيطر والذي ترزح تحته قوى التغيير في لبنان وخاصة تلك التي استطاعت بنتيجة الانتخابات النيابية في أيار (مايو) 2022 أن تعبر إلى المجلس النيابي حيث رأينا وما زلنا نرى محاولات كثيرة، بحق أو بدون حق، سواء من جماهيرها أو من الأطراف السياسية الأخرى لوضعها في واجهة الأحداث والنقاشات والانتقادات والهجومات وتحميل المسؤوليات على الرغم من حداثة سنّها السياسي والنيابي وقلّة خبرتها وضآلة تأثيرها في مجريات الأحداث بنتيجة كل ما تقدّم.
أي مشروع سياسي وطني بحت وغير تابع للخارج، لا يمثّل المصالح الفعلية لأغلبيّة شرائح المجتمع من ضمن انقسام أفقي واضح لن يكتب له النجاح، لا بل سيزيد التشرذم والانقسام حتى داخل محيطه، فكيف إذا كان هذا المحيط متشرذما أصلا كما هو الحال مع القوى التي تزعم إنتاج كتلة نواب التغيير الـ 13، المعروف بعضهم أصلا بانتماآت سابقة لبيئات وأحزاب وأجواء سياسية بعيدة عن التغيير أو حتى بانتماآتهم السياسية المباشرة لأحزاب المنظومة) أي قوى حراك 17 تشرين 2019) والمكوّنة بدورها من توجهات سياسية مختلفة حزبية وغير حزبية ومن منظمات أهلية مموّلة من الخارج، ومن جماهير عفوية معترضة على قرار الواتساب الشهير، والتي بمجموعها ليس فقط لم تجتمع على شعارات واحدة ولا على مشروع سياسي وخطّة عمل موحّدين، بل وقامت أطرافها بطرح وتبنّي مطالب متعددة مختلفة ومتناقضة في كثير من الأحيان، ولا تلبّي في معظمها هموم الشعب وهواجسه، بل وكانت في كثير من الأحيان تتبنّى مواقف سياسية وتطرح شعارات متناقضة، خاصة فيما يتعلّق بالنظام والحفاظ عليه أو إسقاطه (دون طرح نظام بديل) والموقف من سلاح المقاومة ومن الأطراف السياسية الفاعلة ومن النظام الاقتصادي والمالي النقدي المصرفي، حيث يهاجم بعضها بعض قوى المنظومة من اصطفافات معينة ويهادن أخرى فيما يقوم البعض الآخر بمهاجمة قوى من اصطفافات أخرى، عدا عن قيام بعض قوى الحراك بأعمال استفزازية من حرق الإطارات المطاطية وقطع الطرقات بوجه الشعب في مناطق عديدة ومهاجمة بعض فروع المصارف ما اعطاها ذريعة للإقفال وتهريب الاموال كما يقال… الخ، ما ساهم في تأليب قطاعات وشرائح كبيرة من الشعب ضد الحراك وفي اتهام بعض اطرافه بتلقّي التعليمات من سفارات غربية وبتنفيذ اجندات خارجية. وانتهى الحراك إلى ما انتهى اليه من فشل في تحقيق أي إنجاز مطلبي بل وعلى العكس من ذلك فقد شهد لبنان انهيارا اقتصاديا مريعا على اثر الحراك وبالتوازي معه تمّ وبوقاحة كبيرة تحميل مسؤولية حصوله من قبل بعض اطراف السلطة الفاسدة المفسدة على حراك 17 تشرين ككل.
وحتى عند تشكيل لوائح هذه القوى قبيل الانتخابات لم يتم التركيز على انتاج برنامج انتخابي موحّد، لا على صعيد لبنان ككل ولا حتى على صعيد الدوائر الانتخابية كل على حدة، بل كان هاجس كل الاطراف هو دخول ممثليها الى اللوائح ولو على حساب قدرة هذه اللوائح على الحصول على المقاعد وقد شهدنا أيضا، وللأسف الشديد، وجود لوائح متعددة لهذه القوى في أكثر من دائرة انتخابية ما أدّى إلى حرمان هذه القوى لعدد من المقاعد النيابية
وعلى الرغم من كل ما تقدّم استطاعت هذه القوى من إحراز خروقات نيابية عدة وتشكّلت بعد الانتخابات كتلتان نيابيتان ،كتلة الـ 13 وكتلة نواب الجنوب الـ 3 أي سعد والبزري ومسعد) بقيتا منفصلتين رغم أوجه الشبه في الطروحات والأهداف (ليتهما تتوحّدان، وبقيت كتلة الـ 13 أيضا دون برنامج واضح ودون خطاب موحد لأعضائها، فلم تستطع هي بذاتها أن تشكّل قيادة للحراك وبقيت بدورها دون قيادة أو مرجعية سياسية معروفة واضحة موجِّهة وموحِّدة لها ولأطراف الحراك،
من هنا وبعد أن بدأنا نسمع بانشقاقات داخلية وفي ظل تراجع وهج هذه الكتلة نتيجة لضعفها في اتخاذ القرارات القوية المناسبة خاصة لجهة عدم تسمية بعض افرادها لأحد لرئاسة الحكومة خلال الاستشارات النيابية الملزمة، أو في ظل تراجع خطابها واستبدال شعار ومطلب استعادة الأموال المنهوبة ومحاكمة المرتكبين بمقولة "توزيع الخسائر" المشبوهة والمرفوضة شعبيا، وفي ظل اقتصار اعتراضها على اتفاق الترسيم الهزيل المهين والمرفوض وطنيا على بعض التحرّكات والتصريحات الخجولة، وفي ظل تخبّطها الواضح في مسألة ترشيح وانتخاب رئيس الجمهورية، كما وفي ظل تلكّؤها في مسألة التقدّم بقوانين إصلاحية ،خاصة لجهة نفض وتعديل الدستور المهزلة العائق الاساسي في وجه التغيير والإصلاح، يأتي طرح بعض الجهات الغيّورة على الحراك وعلى الكتلة بضرورة قيام النخب بإنتاج برنامج سياسي واحد موحَّد موحِّد للحراك وللكتلة قبل فوات الأوان، وبضرورة تفعيل الحراك تحت ظل هذا البرنامج في الشارع وعبر الأندية والمنظمات الاهلية والنقابية الخ لمؤازرة النواب التغييريين ولتحريض الفئات الشعبية ذات المصلحة.
البيانات ووجهات النظر والآراء الواردة في هذه المقالة تخص المؤلف فقط ولا تمثل بالضرورة آراء Levant’s Agoraأو "زوايا ميديا".