يعرّف الفقيه الفرنسي موريس هوريو الضابطة الادارية بأنها "كل ما يستهدف بها المحافظة على النظام العام في الدولة"، اي هي مجموع النشاطات التي يكون موضوعها إصدار قواعد عامة أو تدابير فردية لإقرار النظام العام، فالهدف اذاً هو وقاية وحماية النظام العام في المجتمع من كل ما يهدد استقراره، وهذا ما يميزها عن الضابطة العدلية الرادعة.
والنظام العام وفقاً للفقيه هوريو هو "حالة واقعية تعارض حالة واقعية اخرى هي الفوضى" بمعنى عدم السماح بوقوع اضطرابات من شأنها ان تهدد الامن العام أو السكينة العامة في الدولة، إلا ان هذا المفهوم الضيّق للنظام العام عارضه الكثير من الفقهاء وفي مقدمهم جورج بوردو الذي اكّد على أن النظام العام لا يجب ان يُنظَر اليه فقط من الجانب المادي، انما ضرورة تضمينه الجانب الادبي والاقتصادي ليمتدّ الى كافة صور النشاط الاجتماعي.
وعليه فقد أجمع الفقهاء على عناصر ثلاثة لوظيفة الضابطة الإدارية، ألا وهي: الامن العام، الصحة العامة والسكينة العامة. لكن مع تطور دور الدولة وتدخّلها في العديد من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والثقافية توسّعت وظيفتها الضبطية، لتكون المكلّفة بالحفاظ على الاستقرار داخل المجتمع من نواحي كثيرة وعديدة (آداب عامة – بيئة - حرية رأي - نظام اقتصادي... إلخ).
أما أشخاص الضابطة الادارية فهم مجموعة من الموظفين العموميين الذين ينهضون بعبء القيام بمهام الحفاظ على النظام العام، من خلال تنظيم انشطة الافراد، وذلك لاتقاء الاخلال بالنظام العام. وفقاً للدستور اللبناني الصادر بتاريخ 21-9-1990 فقد أناط صلاحية الضابطة الإدارية بمجلس الوزراء، وهو ما نصّت عليه المادة 65 من الدستور بقولها: "تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء، ولهذا المجلس وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، والسهر على تنفيذ القوانين والاشراف على اعمال كل اجهزة الدولة من ادارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وأمنية".
أمّا على مستوى المناطق فلقد ورد في المرسوم الاشتراعي رقم 116 تاريخ 12-6-1959 المتعلّق بالتنظيم الاداري في لبنان ان الضابطة الادارية يمارسها المحافظ الذي يتمتّع بصلاحيات مهمة وعديدة نذكر منها على سبيل المثال: السهر على تنفيذ القوانين والانظمة والتعليمات العامة في المحافظة ويُعتَبَر مسؤولاً عن حسن تطبيقها. وله لهذه الغاية ان يتّخذ جميع التدابير التي تؤول الى تنسيق العمل بين مختلف الدوائر، كما ويتولّى حفظ النظام والامن وصيانة الحرية الشخصية وحرمة الملكية الخاصة. وله من اجل ذلك ان يطلب الى قوى الامن اتخاذ جميع التدابير التي تقتضيها.
توازيا، ينص قانون البلديات في لبنان الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 118 تاريخ 30-6-1977 على اعطاء رؤوساء البلديات كلُّ ضمن نطاق عمله صلاحيات عامة كالسهر على النظام العام والمحافظة على السلامة العامة والصحة العامة.
ونظراً الى ان الحكومة الحالية في لبنان هي حكومة مستقيلة، ولا يمكن لها أن تمارس صلاحياتها إلاّ بالمعنى الضيّق لتصريف الاعمال، وفقاً لما ورد في المادة 64 من الدستور والمعدّلة بالقانون الدستوري الصادر في 21-9-1990، أي أن الاعمال الادارية غير التصرّفية هي فقط من ضمن صلاحيات حكومة تصريف الاعمال، كالتي تدخل ضمن مهام الضابطة الادارية والاعمال الادارية التي يجب اجراؤها في مهلة محددة بالقوانين تحت طائلة السقوط والابطال.
لكن هل استقالة أو اقالة الحكومة تشمل أيضاً استقالة من تعود إليهم صلاحية الضابطة الادارية في المناطق من القيام بواجباتهم في ظل ما تشهده البلاد من ظروف استثنائية صعبة؟
إن جوابنا هو التأكيد على ضرورة تفعيل عمل ودور الضابطة الادارية في نطاق المناطق خاصة في ظل الظروف الاستثنائية السائدة في البلاد، لأن الوضعَ غير طبيعي وخارق للأحوال العادية، وبالتالي فمن واجباتهم القيام بكل ما يلزم من اجل الحفاظ على النظام العام والصحة العامة والسكينة العامة، حتى لو استدعى الأمر الخروج على قواعد المشروعية العادية، لاستحالة التصرف بطريقة أخرى، خاصة إذا كان الهدف من وراء ذلك الحفاظ على النظام العام وتحقيق المصلحة العامة. الا ان التذرّع بالظروف الاستثنائية واتساع سلطات الادارة لا بعني تحررها من أية رقابة، انما تبقى خاضعة لرقابة القاضي الاداري لجهة التحقق من توافر الظروف الاستثنائية ومدى استمراريتها وتناسب الاجراء المتخذ مع الظرف الاستثنائي، وهو ما طبّقه وأكّد عليه كل من مجلس شورى الدولة في لبنان ومجلس الدولة الفرنسي.