رأي

مـــن يشتـــري قـــارورةَ مــاء؟


مشهـدٌ آخر من مشاهد العاصمة المتعبة المكتظّة بالمتناقضات:


من يشتري قارورةَ ماء؟


يتّكىء على مقودِ عربتِه الهرمة بعبواتِها الملأى والفارغة، عجوزٌ يودّ لو يرتاح. يلهثُ وراء المارّةِ والسّيارات المسرعة، يأملُ أن تأتي "الرّزقة".


وهنا أيضاً، بالرّغم من ازدحامِ السّير، قلّةٌ من النّاس من يكترث، كلٌّ في همّه، كلٌّ وراءَ عيشه، كلٌّ على دربه.


يتعب، يتوقّف، ثمّ تخطرُ ببالِه فكرة. يهمّ وراء السّيارات الفخمة التي تملأ البلد. لا أحد يراه. زجاجٌ أسود، نظّاراتُ سوداء، قلوبٌ سوداء وأدمغةٌ تجري وتسابق الرّيح. اعتراه شعورٌ يأنّه قد تحوّل شبحاً. راح يتحسّس جفنيه المتجعدين بيدٍ هرِمَتْ وحفر بها الفقرُ خطوَه.


نظرَ قرصَ الشّمسِ الحارقة في الظّهيرة... هي ألطفُ من نظراتهم اليه.


التّجاهلُ مؤلم، قال لنفسه، والشّفقةُ مؤلمة، وكذلك التّوقّف والمساعدة مع منّةٍ وبسمةٍ صفراء أكثر إيلاماً.


من يشتري قارورة ماء؟


عاد الى رشده، يغني لحنَ عمرٍ تَعِبَ الوقوفَ والعناء.


لا تحمله قدماه... لا تحمله أفكاره ومشاعره...


لا يحمله أحد... لكنّه يحمل كلّ شيء.


يعيشُ هنا غربةً يوميّة. العمر كدٌّ وشقاء، والحياةُ دربٌ يقضم قدميه...


من يشتري قــارورةَ مــاء؟


نازك الحلبي يحيى

كاتبة لبنانية مقيمة في أميركا