في العام 2010، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع لها أن المياه حق من حقوق الإنسان، وهو إنجاز كبير لناشطي عدالة المياه، وعلى الرغم من أن هذا الإعلان يُشكّل أداة يمكن أن يستخدمها المواطنون لمساءلة الدول، إلا أنه لم يُحدث حتى الآن تغييرًا جوهريًا في السياسات والديناميات والخدمات التي تضمن الوصول العادل إلى المياه للجميع. ويبقى تحويل هذا الحق إلى واقع عملي تحديًا هائلًا، يزداد تعقيدًا بفعل السيطرة السوقية، والخصخصة الممنهجة وتحويل المياه إلى سلعة، وتفاقم التلوث، فضلًا عن تغيّر المناخ والجفاف.
وعلى الرغم من وفرة موارده المائية الطبيعية، يواجه لبنان أزمة مياه مزمنة. فقد أدّى سوء الإدارة وغياب التخطيط السليم إلى استنزاف الموارد المائية في البلاد، وجعل من الوصول إلى مياه آمنة وذات جودة تحديًا يوميًا لكثير من الأسر في مختلف المناطق اللبنانية
في الواقع، تؤثر حالة انعدام الأمن المائي المزمن على الحياة اليومية لجميع السكان في لبنان، فبينما تتمكن بعض الأسر من شراء مياه معبأة أو شبه نظيفة، تبقى الأسر ذات الدخل المحدود مضطرة للاعتماد على مياه رديئة النوعية ومجهولة المصدر، ومع ذلك، فإنّ حتى أرخص الخيارات غالبًا ما تكون باهظة التكلفة بالنسبة للفئات الأكثر فقرًا، مما يسلّط الضوء على التداعيات المقلقة لتحويل المياه إلى سلعة على حساب الحق في المياه.
تُفاقم خصخصة المياه وتحويلها إلى سلعة من حدة الفوارق الاجتماعية، ومن بين الفئات الأكثر تضررًا، نجد الفئات التي هي، في الأصل، مهمّشة، مثل اللاجئين، الأطفال، كبار السن، الأشخاص ذوي الإعاقة، والنساء. فالنساء يتحمّلن العبء الأكبر لنقص المياه، بسبب أدوارهنّ التقليدية في إدارة المياه المنزلية وجمعها، وفي المناطق التي تعاني من شحّ المياه، غالبًا ما تقضي النساء والفتيات وقتًا طويلًا في جمع المياه، مما يعيق فرصهنّ في التعلّم والعمل، أمّا الأطفال، لا سيّما من هم دون سن الخامسة، فهم الأكثر عرضة للأمراض المنقولة عبر المياه ولسوء التغذية، وكلاهما يتفاقم بفعل ندرة المياه وتلوثها.
في هذه النشرة، نشارك إحدى أحدث دراسات الحالة التي أجريناها حول مسألة اللاعدالة في الوصول إلى المياه في لبنان. تتناول الدراسة التجارب الحياتية للأسر في منطقة برّ إلياس، مع تركيز خاص على النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة. وتستعرض التحديات المرتبطة بالحصول على المياه، وتأثير انعدام أمن المياه على الحياة اليومية، و الأدوار الجندرية، والديناميات الأسرية، والجوانب الاقتصادية والصحية، بالإضافة إلى أنظمة الدعم المتاحة
كما تتعمّق الدراسة في استراتيجيات التكيّف التي تعتمدها الأسر، مثل تخزين المياه، واللجوء إلى مصادر بديلة، وتبادل المياه ضمن الشبكات الاجتماعية، وشرائها من المورّدين الخاصين، وإعادة استخدام المياه وإدارتها، والربط غير القانوني بشبكات المياه العامة، وجلب المياه من مصادر بعيدة، ومعالجتها محليًا.
بالرغم من تركيزها على منطقة محددة، تتناول هذه الدراسة السياق الاجتماعي والسياسي الأوسع لأزمة المياه في لبنان، مسلطةً الضوء على الثغرات في السياسات المُعتمَدة حاليًا في إدارة الموارد المائية، والحاجة الملحّة إلى اعتماد إصلاحات شاملة، وتنتقد الدراسة غياب الإرادة السياسية في إعطاء الأولوية لتوزيع المياه بشكل عادل، وفي تنفيذ إصلاحات تعالج الأسباب الجذرية للأزمة. وتشير إلى استمرار اتّساع الفجوة في الحصول على المياه النظيفة في ظل الافتقار إلى تغييرات جوهرية على صعيد الحوكمة وتخصيص الموارد، مما يُؤدّي إلى تأثيرات غير متكافئة تطال الفئات الأكثر هشاشةً.
دراسة حالة عن التجارب الحياتية للأُسَر في برّ الياس – البقاع
من خلال التعمق في حالة انعدام العدالة وصعوبة الوصول إلى المياه في منطقة برّ إلياس، لا تسلّط هذه الدراسة الضوء فقط على التحديات وآليات التكيّف التي يعتمدها السكان، بل تثير أيضًا إشكاليات أوسع على المستوى الوطني والسياساتي، تتعلق بندرة المياه، وإدارتها، واستدامتها، وجودتها، وإمكانية الوصول إليها. ومن ثم، تؤكد الدراسة على الحاجة الملحّة إلى إصلاحات وطنية شاملة.
لقراءة الدراسة باللغة العربية على الرابط هنا
لقراءة الدراسة باللغة الإنجليزية على الرابط هنا