رأي

التعليم الرسمي في لبنان إلى إغلاق قسري Forced shut down!

 من الواضح أننا وصلنا في لبنان إلى القعر، ويبدو أنّ المعنيّين يحملون آلات نبش وحفر لكي نصل إلى مستويات أعمق وأعمق من التدهور وسوء الحال. إنّ من أكثر ما يثير القلق هو الواقع التربوي والتعليمي الرسمي الذي يتردى حاله يومًا فيومًا وبوتيرة متسارعة دون أية كوابح. ومع ارتفاع أعداد الإصابات بفيروس كورونا، أثار وزير الصحة مع وزير التربية مسألة العودة إلى المدارس في 10 كانون الثاني كما كان مقررًا. غير أنّ وزير الصحة لم يفلح في إقناع وزير التربية بتأجيل العودة، الذي أصرّ على عدم فعالية التعليم عن بعد وضرورة العودة إلى التعليم حضوريًا من أجل إنقاذ العام الدراسي. دون شك أنّ تجربة التعليم عن بعد كانت فاشلة مع غياب، التدريب الجدي، والمنصات الفاعلة والتي وإن وُجدت لم يتمكن السواد الأعظم من الأساتذة والطلاب من الاتصال بها بسبب رداءة خدمة الانترنت وضيق الحال الاقتصادي الذي حدّ من إمكانية الاتصال الفاعل على شبكة الانترنت.


ولكن، هل المشكلة هي في تسارع انتشار الوباء؟! أم أنّ هناك موانع أعمق وأكبر أثرًا سوف تجبر الوزارة في النهاية على إعلان تعليق العام الدراسي؟!


في الواقع هناك العديد من الموانع والمعوقات التي تقف في وجه العودة إلى المدارس، وهي تطال الأهل والجهاز التربوي على السواء، أذكر منها ثلاثة:


ارتفاع سعر صرف الدولار، وهو محوري ومسبب أساسي للمعوقات الأخرى: يرتفع سعر صرف الدولار بشكل جنوني وبطريقة غير مفهومة و غير مبررة اقتصاديًّا ما يعني أنّه ارتفاع سياسي يقوده حفنة من الوحوش المتحكمة برقابنا. وها هو يتجاوز ال 30000 ل.ل. للدولار الواحد، الأمر الذي يجعل من رواتب المعلمين بكافة مسمياتهم، معدومة القيمة، لا تكفي لسدّ الرمق. فكيف السبيل للاستمرار بتأدية رسالتهم التي جرّدها المعنيون في بلاد الحرف من معانيها وأهدافها؟!


1- ارتفاع سعر الوقود وهو مرتبط بارتفاع سعر صرف الدولار كما أسلفت: وهذا يستبع ارتفاع أجرة النقل، وقضم الراتب لمن يستعمل سيارته. وفي الحالتين يصبح التنقل للوصول إلى المدرسة من المحال، وعلى أبعد تقدير يكون ممكنًا لأيام معدودة من الشهر. وعلى حد قول وزير الطاقة السابق "اللي مش قادر يدفع يستعمل شي تاني"، ولا يزال البحث مستمرًا عن هذا "الشي تاني"!!


2- ارتفاع أسعار المواد التشغيلية للمدارس: وهي التي يتم وضع موازنة سنوية لها من صندوق المدرسة، وهي موازنة لم تعد بشكل من الأشكال منطقية مع ارتفاع سعر صرف الدولار. من أبرز المواد؛ المعقمات والمنظفات المرتبطة بشكل مباشر بانتشار فيروس كورونا، والأوراق، والحبر، وأعمال الصيانة للأجهزة، وأقلام الألواح، وغيرها الكثير من المواد الضرورية لتشغيل المدرسة. الأمر الذي يؤثر مباشرةً على العملية التربوية بجملتها، من تدريس، وتقييم، واجراء إمتحانات.. كل ذلك يجعل من هذه العملية مهمة مستحيلة.


3- هذا بالإضافة إلى معوقات أخرى كثيرة على سبيل المثال انقطاع التيار الكهربائي بشكل شبه كامل، وعجز المدارس عن تأمين البديل.


أمام هذا الواقع المذري هل من إمكانية للعودة إلى المدارس؟!


كيف السبيل إلى ذلك في ظل غياب كامل للمسؤولية عند المعنيين؟! ولا أعني هنا فقط وزارة التربية، وإنما كلّ الذين يملكون القرار والتأثير فيه على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والتربوية.


إنّ ما نشهده يمكن تشبيهه بالعمل على جهاز الكمبيوتر لوقت طويل دون الاهتمام بشحنه بالطاقة التي يحتاجها للاستمرار بالعمل، يصل إلى وقت ينفّذ بشكل تلقائي عملية إغلاق قسري Forced shut down ينهي إمكانية العمل عليه دون مدّه بالطاقة من جديد. هذا حرفيًّا ما نشهد بوادره في القطاع التربوي الرسمي، كل المؤشرات تدلّ على حصول إغلاق قسري بسبب انعدام الطاقة لدى الأساتذة والأهل والمؤسسات التربوية، التي تمكنهم من العودة إلى التعليم أو الاستمرار فيه. حتى لو تمت العودة في العاشر من الشهر الجاري سوف تتم عملية إغلاق قسري Forced shut down حتمية، مع هكذا معنيين لا يتمتعون بأي قدر من المسؤولية.


منيارة في 5\1\2022


د. رولا بردقان 



ملاحظة: الأفكار الواردة في المقال تعبر عن رأي الكاتب ولا تمثّل بالضرورة أفكار وتوجه موقع "زوايا ميديا".


الدكتورة رولا بردقان

باحثة في علم اجتماع التربية