يغالي أهل السياسة في لبنان في تصوراتهم حيال ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة، واعتباره "إنجازا" لا يُشق له غبار، حتى أن بعضهم يأخذ على مِحمل الجد أن لبنان ما زال يمثل حيثية "مهمة" في المنطقة، لا ساحة ضعيفة لتبادل الرسائل الإقليمية والدولية باعتباره الخاصرة الرخوة في الشرق الأوسط، خصوصا بعد تعثره ماليا واقتصاديا، وبعد تفاقم مشكلاته على كافة الصعد، من السياسة إلى سائر مرافق الحياة، فيما الذين يتربصون شرا بلبنان ما عادوا مندفعين لإضعافه ذلك أن منظومة السلطة وصراعاتها "كفَّت ووفَّت".
ويتناسى هؤلاء السياسيون أن انفجار المرفأ وتدمير نصف بيروت وبعض الضواحي وضع لبنان في صدارة الاهتمامات الدولية، ولكن ضمن نطاق مساعدة الناس على تخطي تبعات الكارثة، ولولا هذا الحدث المدوي لكان لبنان ما يزال إلى اليوم خارج اهتمام المجتمع الدولي، فيما المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أخرجت لبنان من عزلته العربية والدولية، وأعادت له بعض السخونة قبل أن تلفظ المباردة أنفاسها لاعتبارات وأسباب يطول شرحها.
ما يثير الإنتباه في هذا السياق، اعتبار مصدر وازن في قوى الثامن من آذار "ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة أهم من تشكيل الحكومة بالنسبة للقوى الدولية"، لافتا إلى أنه موقف جديد ومهم ومن المفترض أن يأخذ تفاعلاته بالنقاش داخليا وخارجيا ومن الطبيعي ان يطغى حاليا على موضوع الحكومة، معتبرا أن المنطق يقول بأن هذا الاتفاق يجب أن يترك آثارا إيجابية على لبنان لجهة إجبار واشنطن على مراجعة خياراتها لبنانيا.
فات هؤلاء أن موضوع الترسيم حاجة إسرائيلية، وفي معيار السياسة الدولية مصلحة إسرائيل أولا، وأي اجتهاد يجانب هذه الحقيقة ليس بأكثر من ترهات وإن زُينت بشعارات ومقولات رنانة!