غالبا ما يردد أهلنا أمامنا قائلين "نحن جيل حرب" وعاشوا معاناتها ومأساتها، فما عسانا نقول نحن؟ وبما نصف واقعنا المشؤوم؟ إن لم يكن ما نعيشه حرباً فما هو إذاً؟ ألم يحن الوقت لتعريف جديد لمفردة "حرب" تشمل كل ما يحياه شباب اليوم في بقايا وطن ضائع ومكلوم؟
للأسف أنا أيضاً يا أبي أعاصر حرباً.
للأسف، أنا أيضاً يا أمي "جيل حرب".
ساحة الحرب لا تزال هي ذاتها الممتدة على مساحة 10,452 كلم2 التي تدعى لبنان، والضحية هي هي أي الشعب اللبناني، والأعداء هم ذاتهم في الخارج والداخل ولا داعي لتسميتهم، لكن السلاح تطوّر والعدة تنوّعت والعتاد تحدّث.
في لبنان اليوم العلم حرب، العمل حرب والحياة اليوميّة حرب.
لماذا "العلم حرب"؟ لأن معظم الشباب اللبناني لا يمكنه تحمّل تكاليف الجامعات الخاصة فيجد نفسه في ساحة المعركة بمواجهة الجهل والتجهيل، ويضطر للعمل والإقتراض وبيع الممتلكات لإكمال الدراسة الجامعية. وإذا كان هذا يكفي للإلتحاق بواحدة من أفضل الجامعات الخاصة يكون الحظ حليفه، وإلّا إضطر إلى اللجوء للجامعات الخاصة ذات الرسوم المنخفضة ممّا يعني حصوله على مستوى تعليمي وتدريب وخبرة أدنى من المستوى المطلوب في عالم سمته المنافسة.
قد يتنطح البعض ليقول إن الجامعة اللبنانية مجانيّة، كأننا لا ندري ما هي الجامعة اللبنانية ومشاكلها التي لا تحصى ولا تعد، هذه الجامعة الوطنية المفترض أن تكون بعيدة من التطييف والتطويع...
لماذا "العمل حرب"؟ لأن الحصول على وظيفة وفرصة عمل إعتماداً على الكفاءة ومن دون "واسطة" هو حلم مستحيل. والترقية وفقاً لتقييم شفاف ومن دون العمل من تحت الطاولة صعبة المنال. والراتب الشهري الذي يؤمن أدنى مستلزمات الحياة ومن دون الحاجة إلى مدخولٍ آخر لا يمكن تحصيله. فيجد الشباب اللبناني نفسه في ساحة المعركة في مواجهة البطالة. لذلك يصمت أمام رب العمل مثلما يصمت أمام الزعيم والوزير والنائب. يصمت لحماية القليل الذي يملك.
لماذا "الحياة اليومية حرب"؟ لأن أدنى مقومات الحياة غير موجودة. لا مياه. لا كهرباء. لا إستشفاء. لا مواصلات عامة. لا طرقات. لا إتصالات. لا إنترنت. فيجد نفسه الشباب اللبناني في ساحة المعركة، يجاهد لإيجاد حلول، لكنها كلها حلول تثقل كاهله. فيحصل على شبه خدمات من الدولة بأغلى الأسعار وينفق أضعاف هذه المبالغ لتأمين ما تعجز الدولة عنه.
هكذا يحيا الشباب اللبناني وسط حربٍ يوميّة، حربٍ لا أفق لنهايتها. هكذا يتعايش الشباب اللبناني مع خوفٍ يومي، خوفٍ من مستقبلٍ مجهولٍ فكل ما بناه البارحة ويبنيه اليوم يمكن تدميره في الغد. أضحينا لا نملك سوى حلم واحد وهو الهروب من لبنان. أصبحنا نحسد الموتى على نجاتهم من عبء الحياة في لبنان.
نعم ، نحن أيضاً جيل حرب، حرب ضد إنسانيّتنا بالدرجة الأولى!