info@zawayamedia.com
رأي

قراءة أولية في إنتخابات لبنان

بهدوء... فهي إنتخابات ليست كمثيلاتها جَرَت في لبنان، وبها تكسَّرت كل التابوهات الطائفية والمذهبية في إحتكار التمثيل السياسي والنيابي الأوحد، وفيها أيضاً قطْعٌ لسلالات الإقطاع السياسي ونسْلِه التاريخي، ومعه إنقطاع نسْل الأحزاب التقليدية أو الكلاسيكية الطائفية فيها والدينية،حيث يكْفي اللُّبنانيون، كلُّ اللُّبنانيين شرف هذا الوعْي الذي إستدركوه ولو متأخراً، سواء بتكثيف التصويت لدى البعض، أو بإحجام البعض الآخر وإلتزام منازلهم، وكل له حساباته التي فاضت خيراً وبركة، وقَوَّضت نظام الحكم الإستبدادي وكارتلاته المالية والمافيوية المصرفية... 


فالطائفة السّنية وبإحجام الرئيس سعد الحريري عن خوض غمار المعركة الإنتخابية التي أراد إثبات زعامته الوحيدة، قد أعطت زعيم المستقبل حقَّه في الوفاء، وهو ما خفَّف من حجم وعُلوِّ الحاصل الإنتخابي لصالح قوى الثورة والمجتمع المدني، ومنهم من أعطى بكثافة أصواته التي صبَّت في صالح صحْن قوى التغيير المدنية، وفي الحالين هي صحْوة سياسية مهمة ربَّما ستُعيد بناء لبنان الجديد بنتائجها..


الطائفة الشيعية التي حاول الثنائي فيها التحشيد الى الحد الأقصى، إحترمت فيها نسبة كبيرة قرارات القيادة وزعاماتها، وفئة غير قليلة إلتزمت بيوتها منعاً للحَرَج أو للإنتخاب ضدَّ المقاومة، وهذا وعْي كبير داخلها كنا نعرفه ونعرف أنه مخبَّأ في الصدور، وكلُّه يبدو وكأنه قد صِيْغ حفراً وتنزيلاً لصالح قوى التغيير الحية رغم قلة أعداد الرابحين فيها بالدخول الى الندوة البرلمانية..


أما المعركة الحيَّة وحراكها السياسي فكانت بين القوى المسيحية في زحلة وبشري وزغرتا والبترون والمتن وكسروان والشوف وجزين، فكان لها ما كان من تخفيف كبير للوهْج العوني والتيار البرتقالي، الذي سقطت كتلته وتقزَّمت من 29 نائباً الى 15 او 16 ،وهذا بدوره جرَّ معه إسقاطاً للإقطاع السياسي الذي بدأ يضعف ويتآكل بعد خسارة طلال إرسلان ووئام وهاب وبعض المراكز النيابية في منطقة الجبل والشوف وبعبدا_عاليه...


اليوم الثنائي الشيعي مطالب بأنْ يجهد في بناء الدولة، ويتنازل أو يخفِّف من سقف خطابه السياسي التخويني أو العدواني تجاه كل الناس، وعليه أن يتعلَّم الدرس القاسي حتى لو بقيت الكتلة الشيعية على حالها ال 27 نائباً، لكن الصدمة التي أحدثها الشعب اللبناني بالتعبير السلمي والحضاري، رغم كل المساويء الذي طالته في هدر كرامته وجوعه ومرضه وسرقة أمواله، لن يجعله ساكتاً أو واهناً أو مستكيناً بعد اليوم، وعلى حزب الله لَمْلَمة وضعِه الداخلي وإعادة حساباته والتخلُص من أعبائه في حمل القوى السياسية المشوهة والتي حمَّلوه بها بإسم التحرير والقدس بعض المستشارين الخنفشاريين والموتورين، على غرار مستشاري القصر في بعبدا.. فكان السقوط سريعاً ومدوياً نحو جهنم ومعهم أسْقطوا كل الشعب في حفرة المديونيات والنَّهْب واللصوصية... 


لن يكون البرلمان الجديد على غرار سابقه المؤلف من التكتلات المذهبية والطائفية الساعية الى السمسرات والكولسة مع الرئيس بري لتمرير المشاريع والدهاليز، بل صار هناك واقع صعب يُحْسَب له كل الحساب، يتعلَّق بمصير البلد المنهوب، وهذه الجثة التي تآكلت وأكلتها ضباع الإقطاع السياسي وأحزابه الفاشلة...فهي نتيجة طبيعية لسياسات مزاجية وفوقية ومتعالية، ولقرارات إرتجالية أسقطت نفسها ذات ليل إنتخابي طويل، بأسلوبٍ لم يطْرَأ على بال أحد في علم السياسة، حتى في مخيال أفكار ميكيافللي في كتاب الأمير لم ينتظر أن ينهي هذا الأمير حياته السياسية بيديه....

الدكتور رائد المصري

استاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية