ما نشهده اليوم ليس بأكثر من مقدمة لسقوط منظومة السلطة بسائر تلاوينها وتوجهاتها السياسية المواربة، وبكامل "محاصصاتها الزبائنية"، من الطائفة إلى الطائفة ومن المذهب إلى المذهب، سلطة أعجز من أن تبلور فكرة الوطن في وجدان الناس، وتريدهم منساقين خلفها كمن يمضي إلى حتفه، جوعا وذلا وفقرا ومهانة.
ما آل إليه واقعنا الاقتصادي وما نشهد معه من اضطرابات نقدية أفضت إلى انهيار مالي خطير، مرده إلى مسار طويل من الفساد وسوء الإدارة، وصولا إلى التدخل في القضاء وتغليب التحاصص على حساب معياري الكفاءة والنزاهة، في ظل سلطة تتوالد بالإرث، مدججة بمفاهيم بائدة لا تُصرف في حاضرة هذا العصر وقد ولجنا الألفية الثالثة.
لا تزال السلطة، رغم ما وصلنا إليه من ضمور قِيَمي وأخلاقي، تتبنى توجهات ديماغوجية مريضة، أقرب ما تكون إلى شعبوية طوائفية وحدها وفرت لنظام المحاصصة قوة الاستمرار وما تزال، نعم كل طائفة في لبنان محكومة بما نراه غالبا في الأنظمة الشمولية، فالزعيم يرقى إلى التقديس من أبناء جلدته، وإلى تكفيره من عموم جمهور الطوائف الأخرى، والويل والثبور لمن ينتقد، وعظائم الأمور لمن يخالف ويصرخ رافضا واقع الحال، هذا نحن بكل هذه التراجيديا المستحكمة منذ الإستقلال إلى اليوم.
لا نريد أن نصبح صنو الغرب، أي أن يصبح المسؤول في دائرة النقد، يُحاسب ويُحاكم، شأنه شأن أي مواطن، فإلغاء الفوارق في لبنان بين مواطن ومسؤول من سابع المستحيلات، لكن على الأقل لا نريد أن نصبح أسرى شعبوية الطوائف، وحدها تؤخر قيام الدولة، ووحدها أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم من أزمات وكوارث.