اعتاد والدي الشيخ الجليل أبو ماهر علي صالح حسين أيام قرية "زرعين" الكنعانية المدمرة في حرب العام 1948، على الإستدلال بقدوم فصل "الخريف" بأوراقه الصفراء استعداداً لقدوم فصل الشتاء، من خلال نبات "العيرون" أو "العيصلان" الذي يظهر بداية شهر أيلول (سبتمبر)، وكانت تسمى في الموروث الشعبي الفلسطيني "عود الري" او "مبشرة الشتا" أو "عود الخريف"، كما يحلو له تسميتها نسبة لفصل "الخريف"، وكانوا يستقبلون الفصل بأزهاره البيضاء دون سقوط المطر، فاعتاد الناس في قرية " زرعين " المهجره والتي تشتهر بكثرة آبارها، على الاستدلال بها على اقتراب قدوم فصل الخريف، لا بل حتى كانوا يتوقعون كثافة المطر في فصل الشتاء من طول ساق الزهرة.
الباصول...
الباصــــول او العنصــــل ( Squill ) وهو نبات يزهر في فصل الخريف، منتصبا مثل الشمعة ويبشر بقدوم الخريف، يتواجد في الغابات والأحراش والمروج تحت الجبلية، أزهاره بيضاء، وساقه طويله قد تصل الى مترين، وهذه الأزهار الجميلة تشكل انقاذا للنحل في مثل هذا الوقت من السنة، للباصول بصلة كبيرة، تخزن بها الماء، وأوراق الباصول مرة وسامة لذلك لا تأكله الحيوانات .
فما هو "العيرون" وأين ينمو؟
حدثني والدي عن نبات "العيرون" وقال : هو نبات من "الفصيلة البصلية" له شكل "البصل" لكن حجمه كبير يصل إلى 2 كلغم، يوجد في معظم الأماكن حتّى في الصخور، فهو لا يعتمد على مياه الأمطار لينمو، وإنّما يُزهر عند انخفاض درجة الحرارة نهاية فصل "الصيف"، ومن هنا جاءت تسميته المرتبطة "بالخريف" لأنّه ينمو ويُزهر أوّل فصل "الخريف" فيكون إشارة لبدء فصل جديد وتجهيز الأرض للمحاصيل الشتويّة.
وينبت "للعيرون" أوراق "كالزنبق" طويلة ورفيعة لكنّها سميكة، أمّا أزهاره فهي بيضاء اللون، تنمو على عود طويل يُسمّى "عرنوس" حيث تتوزّع الأزهار من منتصفه إلى أعلاه بشكل متراصّ، وبصلة "العيرون" خضراء اللون أو بيضاء من الخارج، حسب مكان النمو وداخلها سائل أبيض لزج مخاطي وله رائحة غير محبّبة، ويترك عادة في الأرض لجمال أزهاره وعدم ضرره، كما أنّه مرتبط بذكريات فصل "الخريف" أيّام زمان ".
وعن استخدامات البصيل أو بصل الفأر أو ذات الحمار، يقول الخبير البيئي خالد حموده " تحتوي أوراقه اضافة الى البصلة على مواد لاسعة، لذا تتجنبه الحيوانات ولا تأكله، كما استعمله الفلاحون لتعليم الحدود بين قطع الأراضي، كون البصلة تعمر ما يقارب الخمسة والعشرون عاما، كما انها تغرس فوق القبور لإظهارها، اما البصلة فقد صنع منها الفلاح الفلسطيني سما للفئران، وذلك بإضافة العجين إليها، وأما الأوراق فكانوا يفركوها في الجروح التي تصيب الدواب لعلاجها كونها تحتوي على مضاد حيوي ".
في رحلتي مع الصديق "مجدي المشني" الى "جبل العمدان" الجبل الجميل الشاهق الذي يطل على قرية " تل " قرب نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، كأسد رابض حارس بين الجبال، وقبيل الغروب الساحر وبين الصخور صادفت أزهار" العيرون " وهي تتمايل على أنسام الريح تستبق الوقت وتزهر قبل أن ينتهي وقتها الافتراضي السّريع، وسرعان ما تجفّ وتتهالك ضعيفة غير قادرة على الصمود، وكم غريب أن تنبت الزهرة قبل الأوراق، وبوقت قياسيّ تغيب ليلاً عن المكان وتعود نهاراً، لتجد العيدان النحيفة باسقة هنا وهناك تستبق الوقت في وجه النسائم .
وتعاود هذه العيدان النّحيلة البروز في ذات المكان وذات الزمان في الموسم الآخر، ولا تستمع لنصائح الأرض والطبيعة، ولا تنتظر نضوجاً حقيقياً وطبيعياً وتبقى دورتها كما هي لا تلبث أن تطحنها أرجل الحيوانات غير مكترثة بها.