كيف لأحزاب وجماعات وتيارات مأزومة وطنيا وسياسيا أن تعالج أزمات لبنان الوطن المؤجل؟! هذا "السؤال – المفتاح" تقابله أقفال صنعت من فولاذ التعصب وكيمياء الخوف، في ظل تمدد وتجذر أصوليات الطوائف المرتعبة من ذاتها ومن كل ما يقابلها حد الهذيان، هذه الأصوليات المانعة لأي توجه نحو دولة مدنية تتيح ترميم "البازل" المجتمعي وفك أحاجي لملمته تحت راية وطن وفي رحاب أرض موحَّدة وموحِّدة.
ولذا، نقول "الوطن المؤجل" لأن ولاءات جمهور هذه الطوائف والأحزاب موزعة بين شخصيات مسكونة بأوهام القوة والسيطرة، ولا ترى وطنا خارج حدود الانتماء لعباءة نافذ في طائفته، والوطن هنا ما يزال شعارا ولم يترسخ بالتجربة العملانية منذ العام 1943، إلا في حدود بعض المؤسسات، وهذه محكومة أيضا بطوائفية المواقع والمناصب والتشكيلات والتسميات.
المشكلة أن كل هذه القوى السياسية ليس ثمة بينها استثناء واحد يمكن أن يُتكأَ عليه ليصعد لبنان ولو قليلا من وهدة المحل الفكري والثقافي والعقائدي، حتى العقائد تحجرت وتصلبت، فيما ليس ثمة أيضا أية توجهات تنويرية من الدين إلى الطائفة إلى ملاعب السياسة وميادينها، فقط براغماتية الجهل والتعصب والمصالح طاغية ومستحكمة في اللاوعي الجمعي لشتات اللبنانيين الموزعين على طوائف ومذاهب وإثنيات وأقليات تحلق في فضاءات ملتبسة، وتبتعد في مدارات الطوائف الكبيرة عددا، بالرغم من أن ليس ثمة طائفة كبرى في لبنان، فالكل ينتمي إلى جماعات أقلوية تعيش إِشكاليات وجودية وإنسانية وأخلاقية.
وفي السياق أيضا، لا ننسى الغلو المرَضي في موضوع الزعامات قديمها والمستجد، والحقيقة الصادمة أن ليس هناك زعامة حقيقية في لبنان، كل القوى السياسية في لبنان اصطدمت تاريخيا بجدران التصعب الفئوي، ولذلك، نرى ونتأكد بأن ليس ثمة مشاريع لبناء دولة قابلة للحياة، فقط تهويمات مسؤولين يصدقها الجمهور ويندفع لملاقاة غرائزه القابلة للتمظهر مع أصغر "تغريدة" لمسؤول طائفي آخر، وهذه إِشكالية تلاحق الفرد والجماعات.
أما الجانب الأخطر في سياقية هذا المشهد المتصدع، فيتمثل في أن اللبنانيين كانوا في الفترة ما بين اتفاق "الطائف" وزمن الوصاية السورية ينقسمون بإيحاءات وتدخلات قوى خارجية، أما اليوم فهم منقسمون دون الحاجة إلى من يؤلبهم على بعض!