info@zawayamedia.com
بيئة

مَسَـــار الْعِنَـــب الْمُقَدِّسِيّ في بَيــت دقّــو

مَسَـــار الْعِنَـــب الْمُقَدِّسِيّ في بَيــت دقّــو

نظم فريق " أمشي وتعرف على بلدك " يوم الجمعة الماضي الموافق العشرون من آب 2021 مسارا بيئيا إلى قرية بَيــت دقّــو في شمال غرب القدس، القرية المقدسية الريفية الوادعة، بطابعها الزراعي  وبمشاركة نحو سبعة وخمسون مَشَّاءَا، وهدف المسار الذي كان بطول ستة كيلومترات، التعرف والتعريف بقرية بَيــت دقّــو واهلها وتراثها وهويتها الفلسطينية المتجذرة، حيث كروم الْعِنَـــب وحقول الزيتون الضاربة جذورها في  عمق الارض.


May be an image of 3 people, people standing, flower and outdoorsMay be an image of 11 people, people standing and outdoors


جغرافيا المكان والتسمية


وتقع قرية بَيــت دقّــو شمال غرب القدس، والقرية مشهورة بزراعة الْعِنَـــب، تختزل حكاية الموسم بكافة تفاصيله، جلال من التاريخ يتربع على جبال تملؤها أشجار الكرمة والزيتون، تطل على الساحل الفلسطيني، ويبلغ ارتفاع بعض جبالها نحو سبعمائة وخمسين مترا، وعلى بعد ثلاثة عشر كليو مترا من المدينة المقدسة وتلتقي أراضيها من الشمال مع أراضي الطيرة، ومن الجنوب مع أراضي بيت عنان والقبيبة وبدو، ومن الغرب مع أراضي بيت لقيا، ومن الشرق مع أراضي بيت اجزا والجيب. وحسب المجلس القروي فإن كلمة بَيــت دقّــو تحوير من بيت الدقَاق، كون مؤسس القرية هو الشيخ عمر الدقَاق وهو شيخ جليل من المتصوفة استخدموا في بيوتهم عدة الصوفية، وكان يعرف بوجاهته في المنطقة، وما زال قبره ومقامه موجود وسط القرية حتى يومنا هذا اضافة إلى مقام آخر يسمى مقام الشيخ اسماعيل .


May be an image of ></span></p><br />
<p class=May be an image of 1 person, standing, tree, nature and body of waterMay be an image of standing and outdoorsMay be an image of flower, nature and text that says '@Khalid Abu Ali'


نبع عين سلمان وذاكرة المكان


أكمل المشاركون مسيرهم، حتى وصل الفريق إلى " عين سلمان " ذات المياه العذبة وكانت تصب في بركة مجاورة يبلغ طولها حوالي ستة  أمتار، وعرضها  أربعة أمتار مع عمق يقارب الثلاثة أمتار. وكان المجلس القروي لبَيــت دقّــو قد نفذ في العام 2016، مشروع تأهيل محيط نبع عين سلمان إضافة إلى الساحات المحيطة بالنبع والبركة، وعلى بعد أمتار قليلة، كان هناك مبنى قديم آيل للسقوط يدعى الخان أو "عقد بيت سلمان" وهو مبنى بحاجة إلى التأهيل والترميم  واستخدم عبر التاريخ القديم لإستراحة القوافل والمسافرين، وغادر المشاركون "عين سلمان" بعد ان التقطوا الصور التذكارية، وساروا في طريق ترابية مجددا نحو بيت دقو.


May be an image of 1 person and body of waterMay be an image of 3 people and outdoors


ويؤكد لنا خليل داوود "بأن هذه  المعادلة الصعبة التي تفرضها المنافسة الاسرائيلية كادت أن تدمر موسم الْعِنَـــب في القرية، كما حدث لمواسم أخرى"، ويتابع داوود  حكاية القرية مع موسم الْعِنَـــب  قائلا: "هذه القرية بنيت بعرق المزارعين والفلاحين وكل حاكورة ومغارة وتلة مرتبطة بأهل القرية، وموسم الْعِنَـــب كان موسما هاما ينتظره المزارعون على أحر من الجمر، لدرجة ارتباط المناسبات الفرح وإقامة الأعراس في موسم الْعِنَـــب، والذي كان يصل فيه المنتوج في بداية السبعينيات من القرن الماضي إلى 700 طن من الْعِنَـــب سنويا، ولكن مع اجراءات الاحتلال التضييقية كاد موسم الْعِنَـــب أن ينتهي، ويواجه خطر الاندثار بفعل المضايقات وعدم امكانية تصديرنا للبلدان العربية حيث تراجع المنتوج إلى 150 طن سنويا في الموسم، اضافة إلى المنافسة الاسرائيلية في السوق الفلسطينية، وأصبحت العديد من الاراضي غير صالحة للزراعة، ولكن عادت القرية منذ العقد الاخير لاستصلاح الأراضي، ما أنعش الموسم الذي تشتهر به القرية مرة أخرى  .


قرى شمال غرب القدس


يشار إلى انه يوجد ستة عشر تجمّعاً سكانياً في هذه المنطقة الحيوية التي تلامس بحدودها الجغرافية القدس المحتلة والساحل الفلسطيني، حيث شارع القدس يافا التاريخي. ويشمل التجمّع الأول قرى: رافات، بير نبالا، الجديرة، الجيب، قلنديا البلد، وبيت حنينا القديمة، أما التجمّع الثاني، فيشمل تسع قرى هي: بدو، بيت إجزا، بيت دقو، بيت سوريك، بيت إكسا، النبي صمويل، القبيبة، قطنة، بيت عنان، ومنطقة معزولة تدعى "خراب اللحم" من أراضي قطنة، والمتاخمة لقرية أبو غوش داخل منطقة الخط الأخضر (الداخل الفلسطيني المحتل).


ويعدّ هذا التجمّع الكبير من قرى المنطقة واحداً من أكثر التجمّعات السكانية التي كانت هدفاً لعمليات النهب ومصادرة الأراضي سواء لصالح إقامة المستوطنات اليهودية عليه، أو لبناء جدار الفصل العنصري الذي أجهز على ما تبقى من أراضي الفلسطينيين في هذه المنطقة.


جدار الفصل العنصري


كان لخطة العزل العنصرية الإسرائيلية، والمتمثلة ببناء الجدار، أثر سلبي على قرية بَيــت دقّــو، حيث تمت مصادرة  أراضٍ كان يزرعها الفلاحون قديما، ويعتمدون في ريها على نبع عين "الدوير"، والتي اصبحت خلف الجدار، وتحت سيطرة المستوطنين، ووفقاً لزميلنا خليل داوود ، فقد التهم جدار الفصل العنصري والاستيطان المساحة الأكبر من أراضي معظم هذه القرى، من ذلك التهامه نحو 70 بالمئة من أراضي قرية الجيب، و80 بالمئة من أراضي بيت إكسا، الثلث منها التهمها جدار الفصل العنصري، وأكثر من 50 بالمئة من أراضي بيت إجزا، وهي واحدة من القرى التي عزلها الاحتلال بالكامل بفعل الجدار، ما اضطر العديد من أبنائها الرحيل عنها إلى رام الله، وكذلك الحال بالنسبة لقرية النبي صموئيل والتي تقع على قمة جبل مرتفع تطل على مدينتي رام الله والقدس، علماً أن البناء في هذه القرية ممنوع بالمطلق، إذ لم تُبنَ منذ العام 1967 ولغاية الآن، أي وحدة سكنية، ما دفع بمن تبقى من سكانها للرحيل إلى بلدة بير نبالا المجاورة، ولم يبقَ فيها الآن سوى أعداد ضئيلة من السكان.


المستوطنات خنجر في الخاصرة


وشاهدنا خلال المسار المستوطنات المحيطة ومنها مستوطنة "جفعات زئيف" المقامة على أراضي المواطنين الفلسطينيين في بَيــت دقّــو، شمال غرب القدس، والتي تعتبر الخاصرة الغربية للقدس المحتلة في أكبر التجمّعات الفلسطينية، والمنتشرة على منحدراتها الغربية، فيما حين شاهدنا بوضوح خلال سيرنا قرية "الطيره"، واطراف مدينتي "بيتونيا ورام الله " متربعة على أعالي الجبال  .


ويشير داوود إلى كتلة استيطانية كبيرة، أقامها الاحتلال على أراضي هذه القرى، تضم عدداً من كبريات المستوطنات المقامة في محيط القدس، من أشهرها وأقدمها: مستوطنة "راموت" التي أقيمت عام 1972 على أراضي بيت إكسا وبيت حنينا، و"جفعات زئيف" المقامة على أراضي بيتونيا وبيت دقو، والجيب، وبيت إكسا، و"جفعون" التي أقيمت على أنقاض معسكر للجيش الأردني، و"جفعون حداشا" على أراضي بيت إجزا والجيب، و"هار دار" على أراضي بيت سوريك وبدو، و"جفعات هشموئيل" على أراضي النبي صموئيل، و"معاليه حميشاه" التي أقيمت على أراضي قرية قطنة.


في حين، أحاط جدار الفصل العنصري الذي شرع ببنائه في العام 2002، بالمنطقة الغربية من قرى شمال غرب القدس، ما تسبّب بظهور ثلاثة معازل سكانية فلسطينية جرى ربطها بنفق طوله ثلاثة كيلومترات تحت الشارع الرئيسي للقدس يافا، والمعروف إسرائيلياً بشارع رقم 443.


معاناة أهالي قرية بَيــت دقّــو


يعاني المزارعين الفلسطينيين في قرية بَيــت دقّــو من حرمان سلطات الاحتلال الإسرائيلي لهم من الوصول إلى أراضيهم، التي أصبحت معزولة خلف الجدار والتي لا يمكن الوصول إليها إلا بتصاريح خاصة صادرة عن مكتب الارتباط والتنسيق الإسرائيلي في المنطقة، وعبر بوابات خاصة تمت إقامتها على طول الجدار في المنطقة. والجدير بالذآر أن الدخول إلى الأراضي المعزولة محصور فقط للمزارعين القادرين على إثبات ملكيتهم للأراضي لدى الدوائر الإسرائيلية المعتمدة، ويتم إصدار التصاريح لأصحاب الأراضي، عادة كبار السن منهم، التي تندرج أسماؤهم في صكوك الملكية العقارية. كما وأن سلطات الإحتلال تقوم بإصدار هذه التصاريح من موسم إلى آخر، الأمر الذي يصعب على أصحاب الأراضي فلاحة أراضيهم الزراعية بأنفسه،م خصوصا وأن هذه التصاريح لا تشمل الأيدي العاملة أو المعدات اللازمة والكاملة لفلاحة الأرض.


مدينة رام الله  البديل عن مدينة القدس


منذ اندلاع الانتفاضة الثانية في شهر أيلول (سبتمبر) من العام 2000، فقد المواطنون القاطنون في قرية بَيــت دقّــو والقرى الفلسطينية المجاورة ارتباطهم بمدينة القدس، بعد ان كانت القبلة الوحيدة التي يقصدها المواطنون للأستفادة من الخدمات الصحية والتعليمية والعمل في المدينة، وأصبحت مدينة رام الله المكان الوحيد الذي يقصدونه لسد احتياجاتهم هذه من خلال السفر على الشارع الألتفافي الإسرائيلي رقم 443 حتى العام 2002، وعندما حظرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على المواطنين الفلسطنيين استخدام الشارع، اضطر المواطنون في بَيــت دقّــو والقرى الفلسطينية المجاورة من السفر عبر طرق بديلة وملتوية وفقيرة البنية التحتية بين القرى المختلفة وداخلها، وتبعد أضعاف المسافة عن الشارع الالتفافي الإسرائيلي رقم 443. وقد أدى ذلك إلى هجرة المواطنين من بَيــت دقّــو إلى مدينة رام الله لتفادي المعوقات الإسرائيلية التي غالبا ما تسببت في تعطيل وتأخير حركة المواطنين من وإلى عملهم، هذا بالإضافة إلى الإهانات التي كان يتعرض لها المواطنين من قبل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي على هذه الحواجز.


دعم صمود المزارعين


وفي نهاية المسار البيئي، قام المشاركون بشراء منتوج الْعِنَـــب بأصنافه المختلفة عبر آلية الشراء التي رتبت مسبقا من حيث الأصناف والأعداد للمشاركين، وكان الهدف  الأساسي هو حماية المنتج الفلسطيني، وخلق هوامش تسويقية جديدة بآليات مختلفة، في محاولة لتكريس مفهوم السياحة البيئية الداخلية، التي لها علاقة بدعم المزارعين في فلسطين وتعزيز صمودهم  وسيادتهم على مواردهم التي تتعرض لمضايقات من الاحتلال،  وفي ظل غياب خطة تسويق للمنتجات الزراعية الفلسطينية، وإغراق المنتجات الاسرائيلية للأسواق المحلية، والتي فاقمت من معاناة المزارعين الذين عبروا عن شعورهم بعدم وجود اهتمام رسمي وحقيقي لهم خاصة في التسويق والذي يعتبر أساسياً في عملية الزراعة ، لافتين إلى الدور الهام الذي يجب أن تقوم به وزارة الزراعة لدعم وتنمية القطاع الزراعي الفلسطيني.

خالد أبو علي

خالد أبو علي

باحث

باحث فلسطيني في مجال البيئة والتراث الشعبي

تابع كاتب المقال: