info@zawayamedia.com
بيئة

حيث يَلْتَقِي نَسِيم الجَنُوب اللبناني وعَبِقَ الشَمال الفلسطيني... يكون الجَمَال!

حيث يَلْتَقِي نَسِيم الجَنُوب اللبناني وعَبِقَ الشَمال الفلسطيني... يكون الجَمَال!

مَسَــار وادي الدَّفيـــنُ  ووادي كَرْكَره – مَغَارَةُ الفَخْت


لو تصوّرنا أنَّ الفصول قد تشكلّت على هيئات الإنسان، فسيكون الرجل الكبير الحكيم هو الشتاء، ويأخذ الصيف شكل الشَّاب الأنيق، والخريف سيكون للرجل الأربعينيّ، أمَّا الربيع فسيكون من نصيب الفتاة الساحرة الفاتنة، والتي تأخذ الألباب بجمالها، فإذا ما أدارت على نفسها ولوحت بشعرها أسرت القلوب والأرواح، لكن مسارنا البيئي كان يوم الجمعة الموافق التاسع من آب (أغسطس) في رحاب فلسطين حيث تلتقي بنسائم الجنوب اللبناني، في فصل تكاد تنقضي الشمس فيه خجولة تحت ظل الأشجار وجداول المياه والأوراق الصفراء التي تناثرت على الأرض، وتساقطت بعد ان تجرّدت منها الأشجار، هذا الفصل وهو مثل الأم الحنون التي تحتضن كلّ الأشجار والثمار والزهور فتغدو فيه أوراق الأشجار أكثر خضرة، وتصبحُ فيه السنابل ممتلئة ناضجة، وتصحو فيه الحيوانات من سباتها، ، ففصل الصيف فصلٌ صاخب يكتمل فيه النضج.


May be an image of tree, nature and text that says


 على الرغم من أنّ درجات الحرارة كانت مرتفعة بعد موجه صيفية حارة ضربت فلسطين، والتي كانت لاسعة أحيانًا لا بل تجازوت في بعض المدن كأريحا (أكثر مدينة انخفاضا حول العالم) درجة الخمسون، لكن هذا لم يمنع الفريق من المشي في "وادي الدَّفيـــنُ" و"كركره" في الجليل الفلسطيني، والاستمتاع بأجوائه الجميلة والسيرعلى الأوراق الصفراء المكدّسة والمبعثرة، ومن تحتها حشائش وطحالب وسرخسيات وأشنات وحزازيات نمت في حياء، والأشجار بعضها كان شبه عاريا فيما البعض الأخر اكتسى بحلة جديدة بفعل المياه الجارية والرطوبة المرتفعة.


May be an image of nature


تنمو في وادي الدَّفيـــنُ نباتات نادرة مثل الورده اللبنانية، وجريس صيداوي، وأنواع من السرخسيات شاهدناها بالقرب من جداول المياه، كما تعيش في قلب الجبال والمغاور كائنات حية مثل الزُغبَة وأسمها العلميGliridae ، وهي فصيلة من الثدييات الزغبية والزُغبَة حيوان صغير ينتمي للقوارض ويشبه السنجاب يبلغ طوله من 6 إلى 7 سنتيمترات، وتعرف بطول مدة البيات الشتوي، كما يوجد في المنطقة الضبع المخطط والخنزير البري والشيهم وحيوان اليحمور الفارسي، كما تعشش في المنحدرات الصخرية للوادي الطيور الجارحة .


خلال المَسَار البيئي الجميل، صادفنا العديد من أشجار حوض البحر الابيض المتوسط مثل السنديان والعبهر والقتلب واشجار الدلب الشرقي العملاقة والزيتون والخروب والبلوط والبرزة اضافة الى أشجار الدفلى السامة (أكبر أشجار دفلة بفلسطين) بأزهارها الزهرية التي كانت تنتشر على طول مجرى الوادي وقد اعتاد اهل " إقرث" المهجرة تزيين عش العروس من هذه الأزهار.


May be an image of nature, tree, sky and mountainMay be an image of flower, nature and treeMay be an image of fruit and natureMay be an image of nature and body of water


 


سار الفريق على امتداد وادي الدَّفيـــنُ الذي يبدأ من أراضي قرية إقرث المهجرة بالقرب من خربة دنعيلة البيزنطية، ثم وادي كركرة ينحدر من مركز الجليل الأعلى نحو الغرب حيث تصب مياه الينابيع الغزيرة ومنها نبع وادي كركرة في البحر الابيض المتوسط الى الشمال من قرية الزيب المهجرة سنة 1948. وقد سمي الوادي نسبة لخربة كركرة في وسط الواد، تستمر المياه  بجريانها في الوادي غربا بمحاذاة الحدود الجنوبية لقرية البصة المهجرة سنة 1948، وهي قرية مختلطة الديانات، مسلمون ومسيحيون، وتقع الى الشمال من وادي البر (استمرار وادي كركره)، عند أقدام "جبل المشقح" الذي يحدها من الشمال ويشكل فاصلاً بين فلسطين ولبنان، وهي قريبة من البحر الأبيض المتوسط، ويتبعها سهل منبسط من جهتي الغرب والجنوب يصل إلى البحر.


May be an image of tree, nature and body of waterMay be an image of nature, tree, body of water and text that says May be an image of 5 people, people sitting, people standing, outdoors and tree


وقيل لنا أنه عثر على أثريات داخل القرية وخارجها/ وعلى أجزاء أرضيات من الفسيفساء، وبعض الآبار والقبور المنحوتة في الصخر، كما كشفت دائرة الآثار سنة 1932 مقبرة مسيحية عثر فيها على نقود وزجاجيات تعود إلى القرن الرابع للميلاد، وعلاوة على ذلك كان إلى جوار القرية ما يفوق 18 خربة كنعانية مثل مشمش، قصيقص، ودنعيلة، وغيرها وشاهدنا بعضها خلال سيرنا في الجبال المطلة على الوادي.


من الجدير ذكره، أنه لم يبق من قرية البصة الفلسطينية المهجرة الملاصقة للحدود اللبنانية الفلسطينية في أقصى شمال غرب فلسطين، التي تبعد 2 كيلو متر عن رأس الناقورة، إلا بعض المعالم، منها المسجد وهو بحالة جيدة، كنيستين واحدة كاثوليكية وأخرى ارثوذوكسية، مقام الخضر، المدرسة، ودير الألمان، فالقرية هدّمت بالكامل في عام النكبة، وتم تهجير أهلها فيما انشأ الإسرائيليون مستعمرة شلومي على انقاض القرية وعلى أراضيها، كما وأقيمت مستعمرات منها  (بيتست ، مستعمرة كفار روش هنكرا  مستعمرة ليمان ، وأخيرا مستعمرة متسوبا).


خلال السير في وادي الدَّفيـــنُ، الرافد الأول للواد، توقفنا عند "مغارة الدَّفيـــنُ" وكان على مدخل المغارة لوحة ارشادية تمنع الدخول بفترة سبات خفافيش الثمار والتي تقطن هذه المغارة، دخلنا المغرة زحفا في بعض المقاطع، لنرى روائع أعمال الطبيعة المذهلة من الصواعد والهوابط، والأعمدة الجيرية التي تكونت نتيجة إذابة الصخر الجيري على مدار الاف السنين.


وأخبرنا أحد المرشدين من قرية كابول، والذي  تواجد في المكان  مصادفة وقت وصولنا، بأنه يوجد مساران داخل المغارة، الأول قصير طوله حوالي الـ 30 مترا ويؤدي الى مخرج قريب، فيما المسار الثاني طويل ويحتاج الى قوة جسدية في عضلات الرجلين واليدين، ومهارة التسلق على السلم وطوله حوالي الـ 90 مترا، فاختار الفريق المَسَار الأول لكسب الوقت، وبعضهم تزود بمصباح للتمكن من الدخول الى المغارة ومشاهدة الصخور الجيرية الخلابة .


ثم تابعنا سيرنا لملتقى المشبك وادي الدَّفيـــنُ، القادم من الجنوب الشرقي ووادي عربين القادم من الشمال الشرقي من قرية العرامشة الحدودية مع لبنان، ومن هذا المشبك يبدأ وادي كركرة وفي نهاية الواد تظهر يناببع كركرة ليلتقي الفريق مجددا مع المياه وبعض الشلالات في الوادي، في المرحلة ما قبل الأخيرة من مسارنا، حيث مررنا بالقرب من خربة كركرة ، ومن ثم بدأنا في الصعود في طريق جبلي نحو قمم الجبال للوصول الى منطقة تعتبر واحدة من أخطر المناطق السياحيّة في الشمال، وبالقرب  من الحدود اللبنانية، في طرف الجليل الغربي، حيث تقع فيها مغارة  الفخت او فخت الطاقة، وكلما سرنا نحو الأعلى ازداد المنظر هيبة وجمالا حيث الأشجار الخضراء  الباسقة على مد البصر، وقد مر الفريق من بين الصخور وبعض الخرب القديمة مخترقاً عدد من البوابات لمنع مرور الابقار.


وصل الفريق إلى جرف عال ومطّل رائع بزاوية 180 درجة، وتَرَاءَى من خلاله مشهد اخاذ اشتمل على أحد روافد وادي البصة، وجبل الجرمق من جهة الشرق، وراس الناقورة وساحل البحر من الغرب وجبال الكرمل في الجنوب، ومن هذا المطل سار الفريق  فوق أرض صخرية وصولا الى مَغَارَةُ الفَخْت الضخمة والواسعة، وهي مغارة كارستية رائعة من الحجر الجيري، تشكلت عبر ملايين السنين عن طريق عمليات الحت الطبيعية، كانت المغارة  تبدو وكأنها معلقة في الجو وتشرف على هاوية سحيقة، وسميت مَغَارَةُ الفَخْت او فخت الطاقة  قبل نحو 250 سنة، حيث كان للمغارة سقف، وقد أدى زلزال الى سقوط السقف وفي لهجة أهل المنطقة يقولون "فخت \" أي سقط، وقد أحدث الزلزال طاقة، أي فتحة كبيرة في سقفها، ولم يبقى منه إلا طرفه الجنوبي على شكل جسر مقوس حيث تمكن الفريق من الصعود أعلاها والتقاط العديد من الصور التذكارية الجميلة للاطلالة الساحرة على جبال الجليل والاستمتاع بالمظاهر التي تخطف الأنفاس.


May be an image of tree, mountain and natureMay be an image of natureMay be an image of 1 person, standing, nature, mountain and tree


معلومات تاريخية عن قرية البصه المهجره :


البصة هي قرية فلسطينية مهجرة، كانت تابعة لقضاء عكا أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين، وتقع قرب الحدود اللبنانية، على بعد 19 كيلومتراً (12 ميلاً) شمال مدينة عكا، على ارتفاع 65 متراً من سطح البحر. كانت القرية تقع على سفوح تل صخري إلى الشمال من وادي البر، وتواجه الغرب أي نحو الساحل البحر الأبيض المتوسط ، وكانت طريق فرعية تربطها بالطريق العام الساحلي بين عكا وبيروت ولعل اسمها مشتق من اللفظة الكنعانية (بصاة)، وتعني المستنقع، في أواخر السبعينات من القرن التاسع عشر، كانت البصة مبنية بالحجارة ويسكنها 1050 نسمة تقريبا وكانت تقع على طرف مرج بنا، وتحيط بها بساتين الزيتون والرمان والتين والتفاح، وكانت القرية جزءا من لبنان قبل الحرب العالمية الأولى، غير أنها ألحقت بفلسطين بعد الحرب عندما رسمت بريطانيا وفرنسا الحدود بين هذين البلدين.


الصور: خالد أبو علي

حيث يَلْتَقِي نَسِيم الجَنُوب اللبناني وعَبِقَ الشَمال الفلسطيني... يكون الجَمَال! 1
خالد أبو علي

خالد أبو علي

باحث

باحث فلسطيني في مجال البيئة والتراث الشعبي

تابع كاتب المقال: