حتى تتعرفوا أكثر وأكثر على أسرار الطبيعة والتنوع البيئي في فلسطين، ما عليكم إلا أن تكونوا مشاركين في مسار محمية "عَيْـــــنُ ﻓـــﺎﺭﻩ" بتنظيم فريق "إمشي وتعرف على بلدك"، وكان مسارنا أمس الجمعة الموافق السادس من آب (أغسطس) 2021، والذي بدأ من طريق ما يعرف بالصواريخ بالقرب من "عين الفوار" حيث سلك فريق المشَّائين المكون من أربعين مشَّاءا طريقا جبليا، ومن ثم انحرف باتجاه الوادي للسير في جداول المياه الطبيعية .
في هذا المسار البيئي بامتياز، تعرف الفريق بصورة أكبر على المضمون الحضاري والقصة الحقيقية للمكان، فهو ليس مسار مشي فحسب، بل لانه من خلال المسار تعرف الفريق على الحقيقة ورسخوها في وجدانهم ليرووها للأجيال القادمة، كان مسارنا الشبابي البيئي في محمية "عَيْـــــنُ ﻓـــﺎﺭﻩ" في الطريق الى أريحا أكثر مدينة انخفاضا في العالم، واليكم حكاية المكان .
ﺗﻌﺘﺒﺮ ﻳﻨﺎﺑﻴﻊ ﺍﻟﻤﺤﻤﻴﺔ الطبيعية "عَيْـــــنُ ﻓـــﺎﺭﻩ" وهي على مسافة 8 ﻛﻢ ﺷﻤﺎﻝ مدينة القدس، فريدة من نوعها في فلسطين، وتتميز بغزارة مياهها ﺍﻟﺘﻲ تنبع ﻣﻦ الصخور، ﻭﺗﺠﺮﻱ ﻣُﺸﻜﻠﺔ ﺍﻟﻌﺸﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻼﻻﺕ ﻭﺍﻟبرﻙ ﺍﻟﺘﻲ حفرها ﺟﺮﻳﺎﻥ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ، ﻃﻮﺍﻝ آﻻﻑ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦ ﻓﻲ الصخور، وتشق ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ طريقها ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ الجرداء ﺍﻟﺸﺎﻫﻘﺔ، ﻓﻲ بيداء ﺍﻟﺒﺤﺮ الميت، ﻟﺘﻠﺘﻘﻲ ﻣﻊ ﻋﻴﻦ أخرى يطلق ﻋﻠﻴﻬﺎ اسم "ﻋﻴﻦ الفوار" ﻓﻌﻴﻦ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻫﻲ" ﻋﻴﻦ القلط"، التي تكون ﻣﺎ ﻳﻌﺮﻑ باسم " ﻭﺍﺩﻱ القلط".
وسميت " عَيْـــــنُ ﻓـــﺎﺭﻩ " بهذا الأسم نسبة الى مياهها التي "تفور" كل ربع ساعة فهي ليست عينا وانما نهر جارٍ على مدار العام، وبحسب كتاب " بلادنا فلسطين " لمصطفى الدباغ، تعتبر "عَيْـــــنُ ﻓـــﺎﺭﻩ" أحد الروافد المغذية لوادي "القلط" الشهير .
وتعيش أنواع ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﻤﺎﻙ في المياه، وخصوصا سمك " الخفاف" من فصيلة السلمونيات وهو من أسماك المياه العذبة، ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻛﺎﺋﻨﺎﺕ ﻣﺎﺋﻴﺔ ﺃﺧﺮﻯ مثل السرطعون والضفادع، ﻭﺗﻨﺘﺸﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﻤﻴﺔ أديرة تعود للعهد البيزنطي، ﺍﺧﺘﺎﺭ ﺭﻫﺒﺎﻥ تلك الفترة موقعها ﻭﺳﻂ الصحراء، ﻛﻤﻜﺎﻥ ﻣﺜﺎﻟﻲ ﻟﻠﺘﺄﻣﻞ وعيش ﺣﻴﺎﺓ الرهبنة. ﻭﻣﺎ زالت ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﻌﺸﺮﺍﺕ ﻣﻤﺎ يطلق ﻋﻠﻴﻬﺎ "ﻗﻼﻳﺎﺕ" ﻭﻫﻲ أﻣﻜﻨﺔ ﺗﺸﺒﻪ الكهوف ﻛﺎﻥ يستخدمها ﺍﻟﺮﻫﺒﺎﻥ للتنسك ظاهرة ﻓﻲ ﺃﻋﺎﻟﻲ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﻋﻠﻰ امتداد الوادي الذي تصب مياهه في البحر الميت.
عَيْـــــنُ ﻓـــﺎﺭﻩ"، والتسلق على أطراف الجبال بارتفاع قارب 300 مترا، كما سار الفريق في الوادي وتم اجتياز بعض المقاطع بمساعدة مقابض حديدية مثبته بالصخر .
وكان لوفرة المياه الغزيرة هذا العام سببا في استمرار جريان " عَيْـــــنُ ﻓـــﺎﺭﻩ "، ومشينا مع تيار المياه الهادر الذي كان يشتد حينا ويتراجع في مناطق اخرى، واستمتع الفريق بالمغامرة الجميلة في اختراق عيون المياه القوية تارة يمينا وتارة يسارا والسباحة مع الشلالات الخلابة، وتسلق الصخور أحيانا، ولا شك ان المشهد من الأعلى لا يضاهي المشهد من الاسفل، وكانت تعلو اصوات المشَّائين سعادة، وهم يتمتعون بمياه النهر الهادر العذبة والمناظر الخلابة التي تسلب العقول .
ولا شك أن مراقبة النسور والصقور المحلقة في سماء الوادي الصافية، معلنة وجود فرائس دسمة بين شقوق الصخور، هو منظر لا يقارن، كما شاهدنا الطيور البرية منها سمنة الصخور الزرقاء والصرد المقنع وغيره، ومن الحيوانات المشاهدة بالوادي الوبر الصخري وغزال الجبل الفلسطيني ، وتنتشر في أرضه الزهور البرية مثل الكبار وغار الوديان والملوح، ونبات النعنع البري، ناهيك عن زهور شقائق النعمان في الربيع والزعتر، وشجر الدوم وافر الظلال والبوص والرتم والحلفا .
ننصح أهلنا في فلسطين بزيارة "عَيْـــــنُ ﻓـــﺎﺭﻩ" والتمتع بمياهها العذبة ومناظرها الخلابة، فيما نحاول إيصال مشاهد للوطن السليب لأهلنا في الدول العربية، ليتمكنوا من التعرف على جواهر فلسطين المكنونة.