كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" إن 77 بالمئة من الأسر اللبنانية لا تجد ما يكفيها من المال لشراء الطعام خلال الشهر الجاري، بعد انهيار العملة اللبنانية غير المسبوق أمام الدولار الأميركي، ورفع الدعم إلى حد كبير عن المواد الغذائية والدواء والمحروقات.
وتناول تقرير نشرته صحيفة التايمز البريطانية الأوضاع المعيشية التي وصل إليها الشعب اللبناني نتيجة الأزمة الإقتصادية في لبنان، تحت عنوان "المواد الغذائية والأدوية تنفد في لبنان وسط انهيار الاقتصاد".
وأشارت الصحيفة إلى العديد من أسباب انهيار الاقتصاد اللبناني، واصفة إياه بأنه أسوأ من انهيار وول ستريت من حيث القيمة المطلقة، كما وأنه لم يسبق له مثيل في التاريخ من حيث الحجم بالنسبة لدولة واحدة، مسلطة الضوء على نسبة الفقر في لبنان قبل عامين، حيث بلغت نحو 26 بالمئة وفقا للبنك الدولي، مما يشير إلى صورة لبنان كدولة مزدهرة في ظل وجود طبقة وسطى مهيمنة غير معتادة في العالم العربي غير الغني بالنفط.
وفي تحليل الصحيفة للوضع الحالي في لبنان أشارت الصحيفة الى أن البلاد عالقة في صدع جيوسياسي، حيث يقف سكانها الشيعة في معسكر إيران وسوريا، فيما يتلقى السنة دعما تاريخيا من السعودية، أما مسيحيوها فممزقون بين الشرق والغرب.
وأضافت: "لكن السبب المباشر للانهيار هو تواطؤ جميع الأطراف الرئيسية في صفقة للحفاظ على مستويات المعيشة. اقترض البنك المركزي المزيد من الأموال من البنوك الخاصة لدفع ثمن الواردات ودعم البنزين والأساسيات الغذائية والأدوية. ثم انهار الصرح العام الماضي تحت وطأة هذا الثقل".
وأوضحت الصحيفة: "في البلاد حاليا ثلاثة أسعار صرف فعالة، وقد تضافرت مع الدعم المستمر لخلق جنة للمهربين، حيث يتم شراء الوقود بأسعار مدعومة بالسعر الرسمي، وبيعه إلى سوريا حيث سعره أعلى بخمس مرات، ويتم تحويل الدولارات الناتجة إلى العملة اللبنانية بسعر غير رسمي الآن أعلى بـ 13 مرة من السعر الرسمي. بينما تستمر الطوابير في محطات الوقود لمدة تصل إلى أربع ساعات".
وتأتي صراعات لبنان على وقع ما يصفه البنك الدولي بأنه أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها العالم منذ قرن ونصف القرن، حيث تدهور الوضع المالي منذ خريف العام 2019، و انخفضت قيمة العملة الوطنية أكثر من 10 مرات مقابل الدولار الأميركي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات غير المدعومة بنسبة تتجاوزمن 400 بالمئة.
ويأتي ذلك في وقت يزداد النقص في الأدوية والبنزين والكهرباء، نتيجة لتراجع احتياطيات العملات الأجنبية في المصرف المركزي.
وبداية حزيران (يونيو) الماضي، حذّر البنك الدولي، من أن لبنان غارق في انهيار اقتصادي قد يضعه ضمن أسوأ 10 أزمات عالمية منذ منتصف القرن الـ19، في غيابٍ لأي أفق حلّ يُخرجه من واقعٍ متردٍّ يفاقمه شلل سياسي.
وتابعت الصحيفة: "حسان دياب، الذي يتولى منصب رئيس الوزراء بالإنابة منذ استقالته رسمياً بعد انفجار بيروت، يقول إنه غير مخول لتغيير نظام الدعم أو حتى الأمر بمراجعة حسابات البنك المركزي. دون هذه الإصلاحات، لن ينقذ صندوق النقد الدولي ولا الحكومات الأجنبية لبنان".
وخلصت الصحيفة: "اعتذر الرئيس المكلف سعد الحريري عن تشكيل حكومة جديدة بعد 11 شهرا لأن الرئيس ميشال عون لن يقبل حكومته المقترحة. كان المأزق متوقعا: الحريري، السياسي السني المهيمن، كان يأمل في استغلال الأزمة لتحدي هيمنة التحالف القوي المتزايد بين التيار الوطني الحر بزعامة عون، أكبر حزب مسيحي، وحزب الله".
من جهتها، أكدت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونِتسكا، أن الأمم المتحدة ستظل واقفة إلى جانب لبنان خلال المرحلة الصعبة التي يمر بها، بعد تعرض عملية تأليف الحكومة إلى انتكاسة.
ودعت في بيان صدر يوم الجمعة 16 تموز (يوليو) إلى التحرك سريعا لضمان تكليف رئيس وزراء جديد بما يتماشى مع الاستحقاقات الدستورية، وإلى تأليف حكومة قادرة على تطبيق الإصلاحات الضرورية لوضع لبنان على طريق التعافي قبيل إجراء الانتخابات في عام 2022، "التي يجب أن تتسم بالحرية والنزاهة."
واعتبرت المسؤولة الأممية أن "لبنان يواجه أزمة غير مسبوقة. ورغم أن الأمل لا يزال موجودا، إلا أنه لم تعد هناك فسحة من الوقت لإضاعتها." ودعت إلى تحرك عاجل "من أجل المصلحة الوطنية للاستجابة لاحتياجات ومطالب الشعب الذي يدفع الثمن الأكبر لتلك الأزمة".