تتجه الأزمة اللبنانية نحو التدويل، وهو ما أرساه دور الفاتيكان، بالإهتمام الخاص بالقضية اللبنانية بتحويل الإهتمام الدولي في لبنان إلى قضية مركزية، لِما للبنان في مفهوم الفاتيكان من رمزية، وهو ما رسخته تحركات ومواقف السفراء الأجانب في لبنان.
فـ "الإنتخابات ودعم اللبنانيين وتدويل الوصاية على لبنان... عناوين الأشهر المقبلة!" وهو ما ختمت به الزميلة جوزفين ديب مقالها تحت عنوان "من الفاتيكان إلى باريس: التدويل يتسارع" في موقع أساس ميديا، وكتبت ديب:
يبدو أن ضوءاً أخضر دولياً أشعلته الظروف والتطورات الأخيرة لمساعدة لبنان. لكنه ضوء أخضر مشروط بالوصاية، المتعددة الأشكال والأنواع.
ففي حين تنهمك الطبقة السياسية بهمومها وبمواجهة القرار الدولي غير المعلن باستبدال الطبقة السياسية الحالية، من خلال الانتخابات النيابية المقبلة، وتحاول هذه الطبقة قدر المستطاع المحافظة على حجمها السياسي، غير أن الرهان الدولي اليوم هو في مكان آخر. لعل أبرز دلالاته المساعدات المخصصة للجيش اللبناني.
تشير معلومات "أساس" إلى أن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن طلب من زميله وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، خلال لقائهما الأخير في جنوب إيطاليا على هامش قمة العشرين، دعم الجيش اللبناني مباشرةً. وكان ثالثهما وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي دعم الطلب الأميركي وأثنى عليه. إلا أن الجانب السعودي لا يزال في مرحلة الدرس.
قد تباشر المملكة بمساعدة الجيش إلى جانب مجموع المساعدات التي سيحصل عليها الشعب اللبناني مباشرةً، والتي كانت في صلب المطالب التي قدمها البطاركة إلى البابا فرنسيس في مؤتمر الفاتيكان الأخير حول لبنان، على أساس أن اللبنانيين بحاجة ماسة إليها.
فنداء بكركي، الذي استخف به البعض وهرب من تأييده البعض الآخر، حتى أولئك الذين يدعون الخصومة مع حزب الله، وأيدته قلة قليلة من القوى اللبنانية، كان له "وزنه" الدولي، ويمكن وضعه على سكة "الدعم". وهو مصطلح بدأ يعود إلى الواجهة حين الحديث عن الأجهزة الأمنية في لبنان، وعن اللبنانيين، في غياب أي أمل لتشكيل حكومة، وفي ظل انعدام الثقة بالسلطة السياسية في لبنان.
في هذا السياق الدولي الجديد حط وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في لبنان، وبعد جولة على الرؤساء أعلن دعم الجيش اللبناني بـ70 طناً من المواد الغذائية شهرياً، لمدة عام. وهي مساعدة اعتبرها كثيرون لا تليق بقطر ولا بالجيش، إذ لا تصل كلفتها إلى مليون دولار سنوياً.
لأن المجتمع الدولي يراهن على الجيش لإدارة مرحلة الأزمة. على أن تبدأ القوى السياسية بالتحضير للانتخابات النيابية المقبلة، التي تراها مراكز القرار المحطة الأهم، وتراهن أن يتكرر في الانتخابات النيابية المقبلة ما حصل في نقابة المهندسين، على أمل أن يبدأ عصر هذه الطبقة بالانتهاء مقابل بدء عصر نخب جديدة تحكم لبنان الجديد بعد ترتيب المنطقة في المرحلة المقبلة.
الثابت أن عجز الطبقة السياسية ومحاولاتها المستمرة للبقاء على قيد الحياة على حساب الشعب اللبناني أصبحت مكشوفةً دولياً. والقرار الدولي، الذي كان يطبق على كل لبنان بهدف الضغط على مسؤوليه، تحول إلى قرار آخر: الاستمرار بالضغط على الطبقة السياسية مقابل فك الضغط عن اللبنانيين.
ولا يمكن فصل الاجتماع الثلاثي، الأميركي الفرنسي السعودي، في جنوب إيطاليا، عن اتصال البابا ببلينكن. أثمر الاتصال وسياسة الفاتيكان الصامتة، لكن الفعالة، في فتح بوابة "النجدة" النسبية للبنانيين، بغض النظر عن موبقات قادتهم السياسيين.
الدبلوماسية الفاتيكانية الصامتة عملت منذ بداية الأزمة اللبنانية على تحويل القضية اللبنانية إلى قضية مركزية في الاهتمام الدولي لِما للبنان في مفهوم الفاتيكان من رمزية خاصة.
وفي الفاتيكان حضر أهم عنوانَيْن سبق أن جاهر بهما الصرح البطريركي منذ أشهر. فقد استمع البابا فرنسيس إلى البنود المشتركة التي اتفق عليها البطاركة قبل ذهابهم إلى روما: "التحييد والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي من أجل لبنان". قد يطلب البعض عدم تقويل الحبر الأعظم ما لم يقله. صحيح. لكن دبلوماسيته قالت ذلك عبر تواصلها المستمر منذ أشهر مع عواصم القرار، إن في أميركا أو في أوروبا.
في كواليس بكركي حديث عن مدى القسوة غير الاعتيادية التي امتاز بها خطاب البابا فرنسيس تجاه الطبقة السياسية. إذ ترى المصادر في دعوة الحبر الأعظم المجتمع الدولي إلى الاهتمام بلبنان وعدم التدخل في شؤونه وتحييده عن الصراعات، كما دعوته الاغتراب اللبناني للوقوف إلى جانب لبنان، ملاقاةً لطروحاتها ودعواتها. والأهم أن لبنان أصبح في عين الفاتيكان مباشرة، من خلال البابا فرنسيس الذي أعاد هذا البلد الصغير إلى رأس أولويات عواصم القرار، عبر الطلب منهم بشكل مباشر حمايته، لأنه في حماية لبنان حمايةٌ لمسيحييه.
أمس أوصت "لجنة الدفاع الوطنية والقوات المسلحة" الفرنسية، ضمن توصيات "لجنة تقصي الحقائق" حول استقرار الشرق الأوسط، بإرسال Task Force إلى بيروت. وقد ترجمها البعض بأنها تعني "قوة طوارىء" دولية، وآخرون بأنها تعني "وحدة إدارة" دولية، أي مدنية. على أن تكون تحت مظلة الأمم المتحدة والبنك الدولي لتوسيع نطاق برامج المساعدات الإنسانية (المواد الغذائية، الأدوية، العلاجات والمدارس..) والتنمية (مياه، كهرباء...).
لكن بشكل عام هي المرة الأولى التي يتحدث الفرنسيون عن "تدخل أجنبي" في لبنان، مدنياً كان أو عسكرياً. وتضيع الفوارق أحياناً بين الإثنين. وذلك بعدما كانت علاقات الفرنسيين المميزة بحزب الله تجعلهم في آخر صف المطالبين بحلول غير سياسية في لبنان.
القارئ في متغيرات المشهد اللبناني لا يمكن أن يراه بعد اليوم إلا انطلاقاً مما حدث في الفاتيكان وروما، والاجتماع الأميركي الفرنسي السعودي، إضافةً إلى المداولات في الاتحاد الأوروبي، وبداية الحديث عن ضرورة تطبيق الوصاية الدولية على لبنان لكونه بات دولة فاشلة.
الانتخابات إذاً، ودعم اللبنانيين، وتدويل الوصاية على لبنان. هذه هي عناوين الأشهر المقبلة.