إرتفع مستوى التوتر بين دولة منبع نهر النيل إثيوبيا، ودولتي المصب مصر والسودان، قبيل بدء فعاليات مجلس الأمن في جلسة رفيعة المستوى، في مقر الأمم المتحدة بنيويورك اليوم، بخصوص سد النهضة، خصوصا مع بدء إثيوبيا مطلع هذا الأسبوع، المرحلة الثانية من ملء بحيرة السد المثير للجدل على النيل الأزرق، وفق ما تبلغت القاهرة من أديس أبابا، وبالمقابل عبر وزير خارجية سامح شكري رفض مصر القاطع لهذا الأمر، معتبرا أن هذه الخطوة عملية فرض للأمر الواقع على دولتي المصب، وهو الأمر الذي تعتبره مصر والسودان "تهديداً للأمن المائي والإقليمي".
مصر
وغرد المتحدث باسم الخارجية بصورة غلاف بيان وزير الخارجية سامح شكري (الصورة المرفقة) أمام مجلس الأمن والتي تحمل البيت الشعري: وتنساب يا نيل حرا طليقا لتحكي ضفافك معنى النضال.
وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري في حديثه لوكالة "أسوشييتد برس"، أنه سيحث مجلس الأمن الدولي في جلسته اليوم الخميس حول سد النهضة، على مطالبة دول المصب الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) بالتفاوض على اتفاق ملزم في غضون ستة أشهر، حول هذا الملف الخلافي، مشددا على أن مصر والسودان طلبتا تدخل مجلس الأمن للتهديد "الوجودي" الذي يشكله عمل هذا السد والمضي في مرحلة الملء الثاني، من دون اتفاق ملزم بين الأطراف المعنية.
وقال في هذا المجال: "10 سنوات من المفاوضات حول هذا السد الكهرمائي الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق، فشلت في ضمان استمرار تدفق المياه في اتجاه مجرى النهر بكميات كافية للسودان ومصر، حيث يعتمد 100 مليون شخص على هذا النهر كمصدر وحيد للمياه".
وفي هذا المجال، وبحضور المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر أندرسن، وإحاطة من أحد المسؤولين الأممين الكبار من دائرة الشؤون السياسية وبناء السلام حول هذا الملف، وبمشاركة وزيرا خارجية مصر سامح شكري، ونظيرته السودانية مريم الصادق المهدي، ومسؤولين من البلدين، فمن المقرر مناقشة المجلس مشروع قرار قدمته تونس، يطالب الأطراف الثلاثة بالتفاوض للتوصل إلى حل متوافق عليه بين الدول الثلاث، برعاية الاتحاد الأفريقي.
المشروع التونسي
ووفقا لموقع "الشرق الأوسط" الذي حصل على نسخة من المشروع التونسي الذي تم توزيعه على أعضاء المجلس، والذي قدمته تونس بطلب من مصر والسودان، وبدعم من لجنة المتابعة العربية المكلفة بمتابعة ملف السد في الأمم المتحدة، والذي يطالب إثيوبيا بوقف عملية الملء الثاني لخزان السد، وعدم التصرف بشكل أحادي، كما ويطالب كلاً من مصر والسودان وإثيوبيا باستئناف المفاوضات، تحت رعاية الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، داعياً الدول الثلاث إلى "وضع نص اتفاق ملزم في شأن السد خلال ستة أشهر، والامتناع عن اتخاذ أي إجراء يعرض عملية التفاوض للخطر، ويحض "أديس أبابا على الامتناع عن الاستمرار في تعبئة خزان السد من جانب واحد".
وقد شهدت أروقة مجلس الأمن اجتماعات مكثفة لوزيري خارجية مصر والسودان كل على حدة، مع مندوبي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وقد اجتمع شكري مع مندوبي روسيا والصين، وذلك بعد اتصاله بوزيري خارجية البلدين، وقد أبلغ مندوبي روسيا والصين بأنه "يجب على مجلس الأمن أن يدفع نحو التوصل إلى اتفاق ملزم في شأن أزمة ملء وتشغيل السد"، مشدداً على أهمية أن يضطلع مجلس الأمن بمسؤولياته للدفع قدماً نحو التوصل إلى "اتفاق عادل متوازن ملزم قانوناً حول ملء وتشغيل السد، على أن يُراعي مصالح الدول الثلاث، ولا يهضم الحقوق المائية لدولتي المصب".
السودان
وبدورها اجتمعت المهدي في لقاءات منفصلة مع المندوبين الدائمين لبريطانيا والصين في مجلس الأمن، كما التقت المجموعة العربية المصغرة. وقالت المهدي لدى لقائها المندوب الصيني إن "السودان يتطلع لدور الصين المهم في المجلس لدعم اتخاذ خطوات تعزيز المسار الأفريقي من أجل التوصل إلى اتفاق ملزم يراعي مصالح الأطراف كافة، وفي فترة زمنية محددة"، وقد أكد مندوب الصين، بحسب بيان للخارجية السودانية، أن بلاده "ستبذل مساعي داخل المجلس للوصول إلى نتيجة ترضي جميع الأطراف"، وأشار البيان إلى أن مندوبة بريطانيا أكدت للوزيرة السودانية "اهتمام بلادها بتوافق الأطراف الثلاثة حول القضية".
وكان رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك قد استبق الجلسة بإجراء اتصالات بفرنسا والنيجر وتونس وكينيا لحشد الدعم من الدول الأعضاء.
الأمم المتحدة
وعبر الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك عن مخاوف المنظمة الدولية من أن يقود التصرف الأحادي إلى تقويض فرص التوصل إلى تسوية للأزمة، وقال: "ندعم بقوة الدور الذي يضطلع به حالياً رئيس الاتحاد الأفريقي في تسهيل المفاوضات بين البلدان الثلاثة، مضيفا أنه: "من المهم أيضاً ألا يكون هناك عمل أحادي من شأنه أن يقوض أي بحث عن حلول"، ودعا الجميع إلى "التزام المشاركة بحسن نية في عملية حقيقية». وأكد أنه «يجب أن تسترشد الحلول بالقدوة التي عثر عليها الآخرون الذين يتقاسمون الممرات المائية، والذين يتشاركون في الأنهار، والتي تستند إلى مبدأ الاستخدام المنصف المعقول، والالتزام بعدم التسبب في ضرر كبير".
واشنطن
أما واشنطن، فقد أجاب الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس، رداً على سؤال عن التطورات المتعلقة بالسد: "نواصل دعم الجهود التعاونية البناءة من الأطراف المعنية -وهي إثيوبيا ومصر والسودان- للتوصل إلى ترتيب دائم في شأن سد النهضة»، وأضاف: «نحن نتفهم بالطبع أهمية مياه النيل لجميع هذه البلدان الثلاثة، ونواصل تشجيع استئناف الحوار الذي نأمل في أن يكون مثمراً موضوعياً بناء"، مؤكدا دعم الولايات المتحدة للعملية التي يقودها الاتحاد الأفريقي من أجل "خفض التوترات، وتسهيل المفاوضات المثمرة، وتعزيز التعاون الإقليمي"، داعيا كل الأطراف إلى الامتناع عن اتخاذ أي إجراء أحادي من شأنه أن يزيد تلك التوترات، ويضع مسافة أكبر بين ما نحن عليه الآن والتوصل إلى حل سلمي، مشدداً على أنه "ينبغي على كل الأطراف الالتزام بحل تفاوضي مقبول من الجميع".
إثيوبيا
من جهتها، تصر أديس أبابا على ملءٍ ثانٍ للسد، بعد نحو عام على الملء الأول، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق مسبق، بينما تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي ملزم لضمان سلامة منشآتهما المائية، واستمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل. وكانت إثيوبيا قد أعلنت، الأحد الماضي، عن رفع مستوى تأهب قواتها المنتشرة في منطقة السد لتأمين المرحلة الثانية من عملية ملئه.
الجامعة العربية
وانتقدت الجامعة العربية في بيانها رسالة أثيوبيا إلى مجلس الأمن التي قالت فيها إن تدخل الجامعة لدى المجلس والأمم المتحدة بشأن سد النهضة "غير مرغوب فيه"، محذرة من أن" تصرف إثيوبيا قد يقوض العلاقات بين الجامعة والاتحاد الأفريقي"، وأن رسالة إثيوبيا تضمنت "مغالطات كثيرة، لكن أخطر ما ورد فيها هو السعي الواضح إلى دق إسفين بين منظمتين إقليميتين طالما احتفظتا -في الماضي والحاضر- بأوثق العلاقات وأكثرها متانة".
وأشار البيان إلى أن "تدخل الجامعة في موضوع سد النهضة يستند إلى قرارات صادرة عن مجلس الجامعة، وهو أمرٌ طبيعي منطقي، باعتبار أن القضية تؤثر على مصالح دولتين من أعضائها، هما مصر والسودان"، مؤكداً أن "مواقف الدولتين العادلة التي تُطالب باتفاق شامل مُلزم لملء وتشغيل خزان سد النهضة هي محل إجماع عربي".
مواقف دولية
ودعا مندوب كينيا في مجلس الأمن جميع الأطراف إلى "العودة لطاولة المفاوضات، وإلى ضرورة حل أزمة النهضة في إطار الاتحاد الأفريقي"، أما السفيرة البريطانية لدى مجلس الأمن باربرا وودوارد، فدعت جميع الأطراف إلى الامتناع عن أي إجراء أحادي بشأن سد النهضة.
وأعرب المندوب الروسي عن قلق موسكو من تنامي الخطاب التهديدي في أزمة سد النهضة، مضيفا أن بلاده تتفهم موقف السودان ومصر من ملء وتشغيل سد النهضة، كما شدد على أن حل الخلاف لا يكون إلا عبر الدبلوماسية، وأضاف أن السلطات الروسية "قلقة من تنامي الخطاب التهديدي في أزمة سد النهضة".