أقيم في الصرح البطريركي في بكركي احتفال لمناسبة صدور كتاب "علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية" للأباتي أنطوان ضو الانطوني، برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وحضور سفير خادم الحرمين الشريفين في لبنان وليد بخاري.
في بداية الاحتفال ألقيت كلمات لكل من: الآباتي ابو جودة والأباتي ضو والزميل نوفل ضو، تناولت العلاقات المتينة مع المملكة العربية السعودية والزيارة التاريخية للبطريرك الراعي الى السعودية.
بخاري
بعدها كانت كلمة السفير بخاري، الذي قال: "نجتمع اليوم في مناسبة جامعة للفكر والثقافة، مناسبة تجسد مسيرة تاريخية لعمق العلاقة بين المملكة العربية السعودية والبطريركية المارونية والتي تمثل ضمانة حقيقية للحفاظ على لبنان الرسالة، لبنان الحر والسيد المستقل".
ضاف: "أيها الحضور الكريم، بسم الله الذي خلق البشر جميعا ودعاهم للعيش كإخوة لينشروا قيم الخير والمحبة والسلام، سلام على مئوية الشراكة والأخوة، فرب السلام نفسه يعطيكم السلام".
وتابع: "من صرح المحبة نطلق نداء السماء للأرض ونجدد العهد والوعد بدور المملكة العربية السعودية بنشر ثقافة السلام ومد جسور الوسطية والاعتدال وتعزيز سبل التعايش وحفظ كرامة الإنسان. ولأننا دعاة سلم وسلام، فإن مستقبلنا في هذا الشرق هو السلام، بعيدا كل البعد عن التعصب والطائفية والتطرف أيا كان مصدره وذريعته. ويطيب لي أن نستذكر معا ما قاله البابا فرنسيس في "يوم الصلاة من أجل لبنان": "إن لبنان هو مشروع سلام رسالته هي أن يكون أرض تسامح وتعددية وواحة أخوة تلتقي فيها الأديان والطوائف المختلفة". ولذلك، وانطلاقا من مرجعية بكركي التاريخية وأهمية الدور الوطني والجامع لغبطة الكاردينال الراعي نوصي بالمحافظة على التنوع والعيش المشترك الذي أرسى أسسه إتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية وعلى السلم الأهلي".
وقال: "أيها الحفل الكريم، من هذه الشرفة نأمل من الأفرقاء السياسيين أن يغلبوا المصلحة اللبنانية العليا لمواجهة التحديات التي يعيشها لبنان، ومن بينها محاولة البعض العبث بالعلاقة الوثيقة بين لبنان وعمقه العربي وإدخاله في محاور أخرى تتنافى مع مقدمة الدستور اللبناني والتي تنص وبوضوح تام، على أن "لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، عربي الهوية والانتماء حيث لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك". لا شرعية لخطاب الفتنة والتقسيم والشرذمة، لا شرعية لخطاب يقفز فوق هوية لبنان العربي".
أضاف: "كما أود هنا اقتباس قول للشيخ العلامة محمد مهدي شمس الدين، رحمه الله، حينما جسد أمثولة المكون العربي بقوله: "في منطقتنا العربية - الإسلامية، لا توجد أقليات مسلمة ولا توجد أقليات مسيحية، بل توجد أكثريتان كبيرتان، إحداهما هي الأكثرية العربية التي تضم مسلمين وغير مسلمين، والأخرى هي الأكثرية المسلمة التي تضم عربا وغير عرب". فلا شرعية لمفهوم الأقلية أمام هوية مسيحية - إسلامية عربية جامعة".
وتابع: "يا شهود لبنان الرسالة، يشكل العمق العربي ركيزة أساسية في رؤية السعودية 2030 الهادفة إلى تعزيز الانتماء لهوية ثقافية معاصرة ترسم آفاق المستقبل أمام "عولمة العروبة" التي تتسع للجميع وتزخر بقبول الآخر والتفاعل والتكامل معه. وانطلاقا من رمزية المناسبة والمكان تجدد المملكة اليوم الشراكة والأخوة تحت مظلة عروبية جامعة ركائزها الاعتدال، الحوار، المحبة والسلام. كما تؤكد المملكة أنها لا تسمح بالمساس بالهوية الوطنية اللبنانية ولا المساس بنسيج العروبة تحت أي ذريعة كانت، فالمسيحي كما المسلم مكون أساسي ومكون وازن في هذه الهوية المشرقية العربية الأصيلة".
الراعي
ثم القى را البطريرك الراعي كلمة، قال فيها: "يسعد هذا الكرسي البطريركي أن يحتضن إحتفال الإطلاق الرسمي لكتاب: "علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية" الذي ألفه مشكورا عزيزنا الأباتي أنطوان ضو الأنطوني، في أعقاب زيارتي الرسمية إلى المملكة بدعوة كريمة منها في 13 تشرين الأول 2017. وقد تشرفت بلقاء خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ولمست في هذه الزيارة حبهما للبنان وفي الوقت عينه حزنهما الشديد على الحالة من التقهقر التي وصل إليها، والمتناقضة مع مقدرة اللبنانيين الخلاقة. فللأباتي أنطوان كل التقدير لما بذل من جهود لتحقيق هذا الكتاب التاريخي القيم...".
وأضاف: "أتناول في كلمتي ثلاث نقاط: المملكة ولبنان، البطريركية والمملكة، المملكة واللبنانيين، فالخاتمة.
أولا: المملكة ولبنان، لقد أثبتت العقود أن المملكة العربية السعودية فهمت معنى وجود لبنان وقيمته في قلب العالم العربي، ولم تسع يوما إلى تحميله وزرا أو صراعا أو نزاعا، لا بل كانت تهب لتحييده وضمان سيادته واستقلاله. من ينسى قول الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود: "لبنان قطعة منا، وأنا أحمي استقلاله بنفسي، ولا أسمح لأية يد أن تمتد إليه". ومن ينسى وعد الملك عبد العزيز بن سعود في 12 نيسان 1953: "سأدافع عن استقلال لبنان كما أدافع عن استقلال مملكتي". ومن ينسى وساطات المملكة السعودية طوال الحرب على لبنان، ومن ينسى رعاية المملكة مؤتمر الطائف (1989) الذي نتجت عنه وثيقة الوفاق الوطني التي فهمناها امتدادا للميثاق الوطني. ولا ننسى خصوصا أن المملكة العربية السعودية كانت أول دولة عربية تعترف باستقلال لبنان سنة 1943. وعلى أساس من هذه العهود والوعود تعاطت المملكة السعودية مع لبنان، واحترمت خيار اللبنانيين وهويتهم وتعدديتهم ونظامهم وتقاليدهم ونمط حياتهم".
وأضاف: في الواقع لم تعتد السعودية على سيادة لبنان ولم تنتهك استقلاله. لم تستبح حدوده ولم تورطه في حروب. لم تعطل ديمقراطيته ولم تتجاهل دولته. كانت السعودية تؤيد لبنان في المحافل العربية والدولية، تقدم له المساعدات المالية، وتستثمر في مشاريع نهضته الاقتصادية والعمرانية. كانت ترعى المصالحات والحلول، وكانت تستقبل اللبنانيين، وتوفر لهم الإقامة وفرص العمل".
وأردف: "ثانيا البطريركية والمملكة، علاقة البطريركية المارونية بالمملكة العربية السعودية تتخطى الاعتبارات التي تتحكم بعلاقة دولة بدولة. فالسعودية بالنسبة لهذا الصرح هي السعودية. نحبها كما هي. ولا ننظر إليها من خلال خياراتها السياسية ومواقفها القومية وعلاقاتها العربية والدولية. علاقتنا بها تتخطى المحاور إلى محور جامع هو الشراكة المسيحية/الإسلامية. فأحد بواعث خيار الكرسي الماروني للبنان الكبير بغناه التعددي هو أن يكون امتدادا لمحيطه من دون أن يكون نسخة عنه أو يذوب فيه. فهذا تاريخنا ونهجنا، وهذا وعدنا للبنانيين وللسعودية والعرب والعالم، وهذا وعد المملكة للبنان".
وقال الراعي: "إن كتاب الأباتي أنطوان ضو التاريخي في جوهره، يحاكي في طياته المستقبل. فالعلاقات بين المملكة والبطريركية هي استشراف دائم للآتي من الأزمنة بما تحمل من أخوة وتضامن واحترام. وأهمية التضامن أن يتجلى في الصعوبات. تحمل المملكة السعودية تراث دين وشعب، وتكتنز البطريركية المارونية تراث شعب ناضل من أجل الله ولبنان. فعلى قرع الأجراس ولحن الآذان يسير لبنان في هذا الشرق أخا للعرب ومناصرا للحق. والأحداث والصور في الكتاب تحكي عن رفعة العلاقات بين البطريركية المارونية والمملكة السعودية. هكذا ندرك مدى محورية دوري المملكة السعودية والبطريركية المارونية في لبنان والمشرق والعالم العربي (...)، والحق يقال إن أبناءنا حين يهاجرون، فللعمل لا للسياسة، وللدخل لا للتدخل؛ وهم رسل لبنان لا رسل دولة أخرى، أو مشروع آخر. وهنا أتوجه إلى كل لبناني يعيش في المملكة أو يعمل فيها أن يحب شعبها ويحترم قيادتها ويلتزم قوانينها وتقاليدها ويحفظ أمنها. فمن لا يكون مستقيما في الدولة التي تحتضنه لا يكون أمينا للوطن الذي أنجبه (...)".
وفي ختام الاحتفال قدم الأباتي ضو والزميل ضو النسخة الأولى من الكتاب للبطريرك الراعي والسفير بخاري.