ماهر بيومي، مدير فني متخصص في العلامات التجاريّة، شاب لبناني قرّر الثورة على الموروث في وعينا الجمعي. أفكار ومفاهيم ومعتقدات لم تفضِ لغير الخراب، وها نحن اليوم ندوِّم في متاهة الفوضى حتى غدت الدولة مجرد إطار لصورة قاتمة، لا حياة فيها، لا ألوان، ما خلا الأسود القاتم حزناً على من رحلوا ومن ينتظرون، والأحمر القاني نهر دم هادر لا يشبع، فيما اللبنانيون نضبت فيهم العروق من قهر وفقر وجوع.
"جريمة" ماهر بيومي أنه فكر بالتغيير، رافضاً تقبل الموروث وأصنامه، حتى لو كان الموروث هذا عَلَما وراية، خصوصاً وأن أي تغيير يفترض أحياناً أن نتجرأ ونُقدِمْ، وأن نحلم أيضاً. ولمن لا يعلم، لا رقابة على أحلامنا، وحدها ترفد دماءنا بأسباب الحياة، وكل فكرة جميلة حلم، وكل عمل كبير بدأ بحلم. هذه سيرورة الحياة، هذا منطقها في كل زمان ومكان.
أمة سلام وحرية
هذه هي، وبإيجاز، قصة الشاب اللبناني المغترب ماهر بيومي، الذي تركته جريمة كارثة مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) 2020 حزيناً على لبنان وأهله، ففكّر بالتغيير. ومن موقعه كفنان، إقترح البدء برمز الوطن أي بالعلم اللبناني، وفي 10 آب (أغسطس) 2020 شارك ماهر العالم تصورّه للعلم اللبناني الجديد، وأرفقه مع تعليق صريح: "الشرائط الحمر في العلم اللبناني ترمز إلى إراقة الدماء. لم أعد أوافق على علمنا الحالي كرمز لهويّتنا... نحن أمة سلام وحرية وتكيف، نخيط فصولنا الأربعة بسلاسة، في كل يوم من أيام السنة...".
تفاعل الناس مع إقتراح ماهر بيومي على مواقع التواصل الإجتماعي، وبالطبع كان الإنقسام واضحاً، والعقدة الأساسية لا تكمن بالإنقسام بحد ذاته فحسب، بل بحقيقة رفض بعض اللبنانيين للتغيير وميل البعض الآخر نحو الإستهزاء بكل ما هو جديد. وبقي السؤال الأساسي للمعترضين على "العلم الجديد" هو: "ما الذي لا يوافقون ماهر عليه؟"، ولكن الأجوبة لن تأتي، وإذا قرأتم التعليقات سوف تدركون بأن المعترضين لم يقرأوا أو لم يفهموا ما كتبه ماهر.
بماذا فكر ماهر؟
فكر ماهر بيومي بصوت مرتفع، وقال ما يفكّر به معظم الشعب اللبناني:
نريد زمن الحرب أن ينتهي.
نريد ربط هوية لبنان بالسلام.
نريد دوامة الإقتتال الداخلي أن تنقطع.
نريد لبنان يشبه جيل الشباب الجديد.
نريد شعاراً لأصالة الماضي.
نريد راية تحمل آمال المستقبل.
لم يلغِ ماهر تاريخ لبنان فهو أوضح أن الأرزة موجودة كصلة وصل بين الماضي والحاضر، لكنه أراد تغيير قصة لبنان وتبديل وجهة الرحلة اللبنانية. فمن أرزة لبنان التي تضرب جذورها أرض السلام، أخذنا ماهر برحلة تبدأ بالبحر الأبيض المتوسط، ثم تنتقل إلى الجبال الخصبة، لتنتهي بالثلج المهيب.
لكن للأسف لم يتلقّف بعض اللبنانيين مبادرة ماهر كفرصة لمراجعة الماضي الدامي وإعادة النظر بالحاضر السيء والتخطيط لمستقبل مختلف. لم يلحظوا أن ماهرا هو من القلائل الذين لم يكتفوا بالمجاهرة بالتغيير، بل بادر به وإقترح بديلاً لما هو موجود. البعض إعتبر في مبادرة ماهر إساءة للعلم وتنكّراً للشهداء. لكن هل أساء ماهر للعلم اللبناني؟ أم ملوك الطوائف هم من حقّروه؟ هل ماهر تنكّر للشهداء؟ أم الزعماء هم من خذلوهم في قبورهم؟
خيبة أمل
تواصل "زوايا ميديا" مع ماهر بيومي، فقال: "لم أفاجأ بكمية الرفض، لكن فوجئت حقاًّ بمعرفة أن المنشور قد إنتشر على نطاق واسع. كان المنشور مفتوحا أمام جميع الناس للتعليق والتفاعل بحرية إلى أن بدأت في تلقي تعليقات قاسية كانت خارج سياق الموضوع تماماً".
وأضاف: "أستطيع القول أنّني شعرت بخيبة أمل عندما قرأت العديد من التعليقات التي تعكس قلة الثقافة وانعدام التواصل بين شعبنا. كان هذا المنشور بمثابة تمرين كشف الكثير عن هويتنا، وما زلت أحاول أن أستوعب ما حصل حتى اليوم".
وعندما سألناه إذا كان يرى أفقاً للتغيير في لبنان، قال: "نحن لسنا مستعدين بعد. يبدو أننا متمسكون بهذا النمط من المعارك المستمرة، لأنه في كل مرة يرتفع فيها (طائر الفينيق) من تحت الرماد، نسمح لوهم النصر بأن يشغلنا. ويحدث كل هذا مرة بعد مرة. نريد التغيير، لكننا مرتبطون جداًّ بالرواية الدرامية التي نتغذى عليها منذ سنوات. من ناحية أخرى، أنا أؤمن بجيلنا القادم، وقد تندهشين من رؤية مدى تحررهم وإنفصالهم عن الماضي. قد نعتقد أنهم يعيشون في فقاعتهم الخاصة، لكنهم في الواقع نحن".