كان اللافت في صورة الغلاف لمجلة الأمن العام لشهر شباط الماضي، وإبان الجائحة وتدابير الإغلاق، وجود غربان في شوارع بيروت، وهو ما لفت إليه الزميل نعيم برجاوي في وكالة الأناضول التركية الذي لحظ وعلى لسان سكان بيروت، ضيوفها الجدد، أي الغربان التي يبدو أنها قد طاب لها المقام، فقررت البقاء، وهذه الطيور التي تعتبر من أذكى الطيور، بل أن ذكاءها وقدرتها على التعلم تماثل طفل في الخامسة من عمره، ولحظ برجاوي على لسان سكان بيروت أن سكان العاصمة اللبنانية، وعلى عكس اعتبارها نذير شؤم وخراب، اعتادوا على رؤية أسراب من هذه الطيور، ويصل عدد الطيور فيها بين 20 و30 طائرا، حيث انتشرت وتكاثرت بشكل لافت في بيروت، حتى أصبحت تجمعاتها مشهدا معتادا على الأرصفة والأبنية وأعمدة الإنارة وأسوار الكورنيش البحري، وبدأ بعض رواد المطاعم والمقاهي يحاولون إغراءها بإحضار قطع الخبز والطعام لها، كما وأن بعض خبراء الطيور، رأوا أن جائحة كورونا ساهمت في إعطائها المزيد من الأمان.
وكتب برجاوي "الغراب، جنس من الطيور ينتمي إلى فصيلة الغرابيات، وينتشر في العديد من دول العالم، وتتعدد أنواعه وأشكاله وفصائله، ويغلب عليه اللونان الأسود والرمادي، ورغم لونها الفاحم ونعيقها الصاخب واعتبارها في العديد من الأساطير دلالة على التشاؤم والحزن والخراب، يرحب سكان بيروت بطيور الغربان ويقدمون لها الطعام".
وعلى لسان أيمن شاهين، أحد سكان بيروت، في حديثه للأناضول، يقول إنه لاحظ "تجمعات لطيور الغربان في أكثر من مكان بالعاصمة"، مضيفا أن "هذا الأمر غير مألوف بالنسبة لنا، ولم نكن نلاحظ وجودها بهذه الكثافة مسبقا"، مشيرا إلى انها" ظاهرة غريبة ولافتة، ونعتقد أن هذه الطيور سيطرت على المنطقة وباتت تنتشر في كل مكان".
في هذا السياق قال أحمد الكردي من بيروت: "في الماضي كان تواجد غراب أو اثنين أمرا لافتا، أما الآن فأصبح مشهد تجمع 20 و30 غرابا اعتياديا"، مضيفا: "نشاهدها يوميا وتعودنا على تواجدها بكثافة بيننا، ولاحظنا مؤخرا تكاثرها في فترة ما بعد الحجر المنزلي الذي فرض بسبب جائحة كورونا".
ويؤكد أن سكان بيروت أصبحوا يألفون رؤية الغربان ويلقون إليها فتات الطعام على الأرصفة والأسوار وبين الصخور على الشاطئ.
من جانبه، يعتبر إسماعيل شعيب أن "انتشار الغربان في العاصمة بيروت بات مرحبا به لأنها طيور غير مؤذية، بعكس ما هو سائد عنها في الأساطير والخرافات"، ويضيف شعيب: "تحلق وتتنقل بيننا طوال النهار، نلاحظ أنها تأكل فضلات الطعام التي يتركها المارة".
ويشير إلى أن "بعض رواد المطاعم والمقاهي والكورنيش أصبحوا يهتمون لأمر تلك الطيور، ويسعون للحفاظ على تواجدها بإحضار قطع الخبز لإطعامها".
ولم تصدر السلطات أو أي جمعيات بيئية في بيروت أي إفادة حول أسباب انتشار طيور الغربان، غير أن روجيه سعد، المسؤول الإعلامي في جمعية "حماية الطيور" بلبنان، رجح أن يكون حظر جائحة كورونا هو السبب وراء ذلك.
وقال سعد، للأناضول، إن "الحظر الذي فرض عدة أشهر متتالية جعل تلك الطيور تشعر بالأمان بعيدا عن حركة البشر، ما جعلها توسع رقعة انتشارها وتبني أعشاشها على بعض الأبنية، وعلى ما تبقى من أشجار في المدينة".
ويضيف: "أما اليوم، فيبدو أن تلك الطيور اعتادت على الناس وباتت تقترب منهم أكثر، كما أن معظم الناس اعتادت جودها بينهم، وباتت العلاقة متبادلة فلم يعد أحدهم يخشى الآخر".
ويوضح: "تلك الطيور تقتات على بقايا المأكولات وقطع الخبز، بالتالي فهي تقوم بدور أشبه بعمال النظافة وتعد صديقة للبيئة وللإنسان".
ويتابع: "تلك الطيور في لبنان كانت تعاني في الماضي من القتل العشوائي وسرقة أعشاشها بغية الاتجار بفراخها وبيعها لمحلات الطيور، لكن تصدي القوى الأمنية وتنامي الوعي وضع حداً لتلك الممارسات".
من جهته، أشار المصور الفوتوغرافي للطيور وخبير الطيور الدكتور ميشال صوان في حديثه لـ "زوايا ميديا" إلى أن: "الغراب الأبقع wHooded Cro ويعتبر من أذكى الطيور، وهو من الحيوانات التي تساهم في تنظيف الطبيعة مثل النورس، واسمه العلمي Corvus cornisوهو يشبه الحيوانات الثديية في هذا المجال كالضباع، ووجوده دلالة على انتشار النفايات، وهو ظاهرة جيدة كونه يساهم في التخلص من النفايات لا سيما العضوية منها، علما أن وجوده لا يقتصر على بيروت، بل قمت بتصوير أعداد منه في مدينة طرابلس شمال لبنان، فضلا عن مناطق عدة في الشمال".
ويرى خبراء لبنانيون أن انتقال الغربان من موطنها في المناطق الزراعية إلى الحضرية جاء نتيجة التوسع العمراني في الريف، ما دفع تلك الطيور إلى اعتياد تواجد البشر وتناول بقايا الأطعمة والتجمع في الحدائق العامة والشواطئ.
الصورة الرئيسية من تويتر لحسن شعبان @hasanshaaban