صحة

الإستيقاظ باكرا بساعة واحدة... يبعد شبح الإكتئاب بنسبة 40 بالمئة!

الإستيقاظ باكرا بساعة واحدة... يبعد شبح الإكتئاب بنسبة 40 بالمئة!

يبدو أن فوائد الإستيقاظ والنوم باكرا، تفوق ما يشير إليه المثل الشهير، "العصفور المبكر يحصل على الديدان" The early bird catches the worm، فقد خلصت دراسة جينية شاملة جديدة إلى أن الاستيقاظ قبل ساعة واحدة فقط مما اعتاد عليه الشخص، يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة بين 23 و40 بالمئة، وقد نُشرت نتائج هذه الدراسة في 26 أيار (مايو) في مجلة JAMA Psychiatry.


وتعتبر الدراسة التي أجريت على 840 ألف شخص، من قبل باحثين في جامعة كولورادو بولدر ومعهد برود في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد، بعضًا من أقوى الأدلة حتى الآن على أن النمط الزمني chronotype - ميل الشخص للنوم في وقت معين - يؤثر على خطر الاكتئاب.


وهي أيضًا من بين الدراسات الأولى التي تحدد مقدار التغيير المطلوب، ولو حتى القليل منه للتأثير على الصحة العقلية.


فمع خروج الناس، بعد الجائحة، لجهة العمل والذهاب إلى المدرسة عن بُعد - وهو اتجاه دفع الكثيرين إلى التحول إلى جدول نوم متأخر – فقد يمكن أن يكون للنتائج آثار مهمة.


قالت كبيرة مؤلفي الدراسة سيلين فيتر Céline Vetter، الأستاذة المساعدة في علم وظائف الأعضاء التكاملي في جامعة كولورادو:" لقد عرفنا منذ بعض الوقت أن هناك علاقة بين توقيت النوم والمزاج، ولكن السؤال الذي كثيرًا ما نسمعه من الأطباء هو: إلى أي مدى يحتاج الأشخاص إلى تغيير وقت استيقاظهم ليروا فائدة؟" مضيفة:" لقد وجدنا أنه حتى الإستيقاظ قبل ساعة واحدة من النوم يرتبط بخطر أقل للإصابة بالاكتئاب."


وقد أظهرت الدراسات السابقة أن الأشخاص الذين يسهرون كثيرا (البوم الليلي) Night Owls أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بمقدار الضعف مقارنة مع الذين يستيقظون باكرًا، بغض النظر عن مدة نومهم. ولكن نظرًا لأن الاضطرابات المزاجية نفسها يمكن أن تعطل أنماط النوم، فقد واجه الباحثون صعوبة في فك رموز الأسباب.


وفي عام 2018، نشرت فيتر دراسة كبيرة طويلة الأمد، شملت 32 ألف ممرضة تظهر أن "من يستيقظون مبكرًا" كانوا أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب بنسبة تصل إلى 27 بالمئة وعلى مدار أربع سنوات، ولكن هذا يطرح السؤال: ماذا يعني أن تكون ممن ينهضون في وقت مبكر؟


للحصول على فكرة أوضح عما إذا كان تغيير وقت النوم مبكرًا أمرًا وقائيًا حقًا، ومقدار التغيير المطلوب، لجأ المؤلف الرئيسي إياس داغلاس Iyas Daghlas، دكتوراه في الطب، إلى بيانات من شركة اختبار الحمض النووي 23 and Me وقاعدة البيانات الطبية الحيوية UK Biobank، ثم استخدم داغلس طريقة تسمى "التوزيع العشوائي المندلي" Mendelian randomizationوالتي تعزز الارتباطات الجينية للمساعدة في فك شفرة السبب والنتيجة.


قال داغلس، الذي تخرج في أيار/ مايو من كلية الطب بجامعة هارفارد: "يتم تحديد جيناتنا عند الولادة، لذا فإن بعض الإستثناءات التي تؤثر على أنواع أخرى من الأبحاث الوبائية، تميل إلى عدم التأثير على الدراسات الجينية".


من المعروف أن هناك أكثر من 340 متغيرًا وراثيًا شائعًا، بما في ذلك المتغيرات في ما يسمى بـ "جين الساعة "PER2، وتؤثر على النمط الزمني chronotype للشخص، وتفسر العلوم الجينية بشكل جماعي، وبنسبة تصل بين 12-42 بالمئة من توقيت النوم المفضل لدينا.


قام الباحثون بتقييم البيانات الجينية غير المحددة عن هذه المتغيرات لما يصل إلى 850 ألف فرد، بما في ذلك بيانات من 85 ألفًا كانوا يرتدون أجهزة تتبع النوم القابلة للإرتداء لمدة 7 أيام، و250 ألفًا ممن ملأوا استبيانات تفضيلات أوقات النوم. وقد أعطت هذه البيانات صورة أكثر دقة، حتى الساعة، لكيفية تأثير المتغيرات في الجينات على أوقات النوم والإستيقاظ لدى الأفراد.


في أكبر هذه العينات، حدد حوالي ثلث الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع أنفسهم على أنهم "قبرة الصباح" morning larks، أي يستيقظون مع شروق الشمس، وكان 9 بالمئة من البوم الليلي، أي ينامون إلى ساعة متأخرة من اليوم، أما باقي الأفراد ما بين وبين. وبشكل عام، كان متوسط منتصف ​​ وقت النوم sleep midpoint للعينات وبشكل عام، بعد منتصف الليل هو 3 صباحًا، مما يعني أنهم ذهبوا إلى الفراش في الساعة 11 مساءً، واستيقظوا في السادسة صباحًا.


مع توفر هذه المعلومات، تحول الباحثون إلى مقاربة مختلفة في عينات جديدة تضمنت معلومات وراثية، إلى جانب السجلات الطبية، والوصفات الطبية مجهولة المصدر، والمسوحات حول تشخيص اضطراب الاكتئاب الشديد.


باستخدام تقنيات إحصائية جديدة، تساءلوا: هل أولئك الذين لديهم متغيرات جينية تجعلهم يستيقظون باكرا لديهم أيضًا مخاطر أقل للإصابة بالاكتئاب؟


وكان الجواب هو نعم بالتأكيد!


تتوافق كل نقطة منتصف وقت النوم sleep midpoint أي إن كانت قبل ساعة واحدة (أي في وسط التوقيت بين وقت النوم والاستيقاظ) مع انخفاض خطر الإصابة باضطراب الاكتئاب الشديد بنسبة 23 بالمئة.


ويشير هذا إلى أنه إذا كان شخص ما يذهب عادة إلى الفراش في الساعة 1 صباحًا إلى الفراش وذهب بدلاً من ذلك في منتصف الليل ونام نفس المدة، فيمكنه تقليل مخاطر الإكتئاب بنسبة 23 بالمئة، وإذا ذهب إلى الفراش بدلا من ذلك في الساعة 11 مساءً، فيمكنه تخفيض هذه النسبة بنحو 40 بالمئة.


من غير الواضح من الدراسة ما إذا كان أولئك الذين يستيقظوا باكرًا بالفعل يمكنهم الاستفادة من الاستيقاظ في وقت أبكر مما اعتادوا عليه. ولكن بالنسبة لأولئك الذين هم في النطاق المتوسط ​​أو النطاق المسائي، فمن المحتمل أن يكون التحول إلى وقت مبكر للنوم مفيدًا.


ما الذي يمكن أن يفسر هذا التأثير؟


تشير بعض الأبحاث إلى أن التعرض للضوء بشكل أكبر خلال النهار، والذي يميل إليه الأشخاص الذين يستيقظون باكرا، يؤدي إلى سلسلة من التأثيرات الهرمونية التي يمكن أن تؤثر على الحالة المزاجية.


يلاحظ آخرون أن وجود ساعة بيولوجية biological clock، أو إيقاع الساعة البيولوجية circadian rhythm، التي تتجه بشكل مختلف عن معظم الناس، ما يمكن أن يكون محبطًا في حد ذاته.


قال داغلس: "نحن نعيش في مجتمع مصمم لأصحاب الصباح، وغالبًا ما يشعر الناس في المساء وكأنهم في حالة دائمة من عدم التوافق مع تلك الساعة المجتمعية".


ويشدد على أن إجراء تجربة سريرية عشوائية كبيرة أمر ضروري لتحديد ما إذا كان الذهاب إلى الفراش مبكرًا أم لا يخفض نسب الاكتئاب. "لكن هذه الدراسة ترجح الأدلة بالتأكيد نحو دعم التأثير السببي لتوقيت النوم على الاكتئاب."


بالنسبة لأولئك الذين يرغبون في الانتقال إلى جدول نوم مبكر، تقدم Vetter هذه النصيحة:"اجعل أيامك مشرقة ولياليك مظلمة، أشرب قهوة الصباح على الشرفة، إمشِ أو إركب دراجتك للذهاب إلى العمل إذا استطعت، وقم بتعتيم تلك الأجهزة الإلكترونية في المساء".

سوزان أبو سعيد ضو

سوزان أبو سعيد ضو

Managing Editor

ناشطة بيئية وصحافية متخصصة بالعلوم والبيئة

تابع كاتب المقال: