info@zawayamedia.com
عرب وعالم

لا يريد حرق أصابعه بنزاع لا مخرج له... بايدن ينفض يده من حرب غزة

لا يريد حرق أصابعه بنزاع لا مخرج له... بايدن ينفض يده من حرب غزة


لم يعد سرّاً أن إدارة بايدن اختارت ألاّ تتدخل لوقف حرب غزة، وأن تتعاطى معها كواقع متروك ليأخذ مجراه. وكانت الإدارة قد أخّرت جلسة مجلس الأمن حول الوضع إلى الاسبوع القادم، بعد أن عرقلت مطلع الأسبوع الماضي صدور قرار عنه حول الموضوع، ولو غير ملزم.


هذا ما كتبه الزميل فكتور شلهوب في صحيفة "العربي الجديد" في عددها الصادر اليوم السبت، مضيفا: حتى موفدها (إدارة بايدن)، صاحب المهمة غير الجدية، جرى تأخير وصوله إلى إسرائيل حتى مساء الجمعة. وإمعاناً في التجاهل وربما الإهانة، خصصت الإدارة مبلغ 10 ملايين دولار للفلسطينيين "لتعزير السلام" مع اسرائيل، فيما الماكينة الحربية الإسرائيلية تدك قطاع غزة.


وقد اعتمدت إدارة بايدن منذ البداية هذا التوجه، وتبدّى ذلك في خطابها ومستوى انخراطها في النزاع، وعدم مطالبتها حتى الآن بوقف إطلاق النار فضلاً عن الاكتفاء بتكليف عواصم المنطقة بهذه المهمة. وقبل يومين دعا وزير الخارجية بلينكن إلى وقف إطلاق نار شامل في اليمن، لكن ليس في غزة.


ولعل من التفسيرات أن الرئيس بايدن "لا يريد حرق أصابعه بنزاع لا مخرج له... ولا حل يمكن أن يُفرض على أصحابه من الخارج". وهي ذريعة مزمنة تلطّى خلفها أكثر من رئيس سابق، ليغطي انحيازه لإسرائيل، أو يتحاشى المجازفة برأس مال سياسي قد يوظفه خصومه ضده في الانتخابات.


وتبيّن أن بايدن لا يشذ عن هذه القاعدة، حيث تخفي إدارته هذه النية بالتركيز المتكرر على مقولة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وهي شيفرة إعطاء تل أبيب الضوء الأخضر لمواصلة عملياتها العسكرية.


بهذا الموقف، يلتقي الرئيس عملياً مع موقف الجمهوريين في الكونغرس، الذين قاموا بحملة كاسحة، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، تضامناً مع إسرائيل. وقد شملت جمع تواقيع على بيان يطالب البيت الأبيض بوقف مفاوضات النووي في فيينا، بذريعة أن إيران تزوّد "حماس" بالسلاح والصواريخ المستخدمة ضد إسرائيل. كما شنوا حرباً وصلت إلى حد التخوين الضمني، على "الجناح التقدمي" من الديمقراطيين في مجلس النواب، الذي أدانت بعض عناصره عدوانية "دولة الأبارتايد" في إخلاء الفلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح، "إذ لا يمكننا إدانة صواريخ حماس وتجاهل عنف الشرطة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وإخراجهم من بيوتهم"، كما قال النائب مارك بوكان.


كلام كثير غير اعتيادي من هذا العيار تردد في تغريدات عدد من النواب، مما أثار ردود فعل ناقمة من الجمهوريين، صل بعضها إلى حدّ الاستفزاز، والدخول في عراك مع النائبة الديمقراطية إلكسندريا أوكازيو كورتيز، التي دعت إلى "الوقوف مع العائلات الفلسطينية التي تعرضت للعنف في شهر رمضان". وواكب هذا التوتر في الكونغرس حملة تحريض وكراهية فاقعة ضد الفلسطينيين في وسائل الإعلام المحافظة والموالية للرئيس السابق ترامب، وعلى رأسها شبكة "فوكس نيوز". شمل ذلك خطاب دعم مفتوح للحرب على القطاع، ودعوات من نوع مطالبة إسرائيل "باستئصال حماس" هذه المرة.


لم يسبق لحروب غزة في الماضي أن أثارت من التعاطف الصريح مع الشعب الفلسطيني كما يحدث الآن. ولعل مردّ ذلك إلى أن هذا العدوان جاء على خلفية تنامي مشاعر رفض متراكم للاحتلال الإسرائيلي. خصوصاً لدى القطاع الجامعي، ومن الحزب الديمقراطي تحديداً، والذي تجلى موقفه هذا خلال السنوات الأخيرة في المعركة ضد المنتجات الإسرائيلية المصنّعة في المستوطنات، والمطالبة بتحريم دخولها تحت هذا الاسم. ثم جاءت الخطوات التي اتخذها الرئيس ترامب في القدس والجولان، لتزيد من مشاعر النفور لدى هذه الأوساط وغيرها من الدوائر الليبرالية واليسار الديمقراطي، وحتى اليهودية المؤيدة لحل الدولتين.


لا يعني ما سبق أن هذا التغيير الملحوظ قد أدّى إلى انقلاب في المعادلة وتوازناتها. ففي الصورة الكبيرة، ما تزال العلاقات العضوية والاستراتيجية مع إسرائيل على حالها؛ لكنها تخلخلت خارج دائرة صنع القرار. ويتبدّى ذلك في تزايد الأصوات والمنابر المؤثّرة التي صارت تتجرأ على طرح التساؤلات والمساءلات بخصوص أمور حساسة، مثل المساعدات الأميركية لإسرائيل، والتي كان وضعها تحت المجهر في خانة المحرمات. وقد تمّ تداول هذا الموضوع خلال الأيام الأخيرة في عمود الرأي بصحف رئيسة، ومن باب الدعوة إلى ربط هذه المساعدات بعدم استخدامها في العنف ضد الفلسطينيين. ولعل طرح السناتور والمرشح الرئاسي الديمقراطي بيرني ساندرز قد أسس لذلك.


بالمقارنة مع السابق، ثّمة تطور ما، ما زال متواضعاً، يساهم في بلورة الفرز البطيء الجاري في الساحة الأميركية تجاه إسرائيل، بيد أن حسابات الرئيس بايدن السياسية وعودته في الملف الإسرائيلي إلى المؤسسة التي جاء منها، والمدمنة على مناوئة حقوق الفلسطينيين؛ دفعته كغيره من أسلافه لنفض يده من الأزمة الراهنة، وفقا للمصدر عينه.

"زوايا ميديا"

قسم التحرير

تابع كاتب المقال: