كم كنا ننتظر مع السيدة فيروز أن يأتي "لبنان الكرامة" و"لبنان الحقيقي"، وكم كنا نتوق للبنان الحرية والعدالة والمساواة، لكن أحلامنا تناثرت عند حدود دولة الفساد، وكأن علينا أن نعدِّل في بعض كلمات الأغنيات، لنغني اليوم مطأطئي الرؤوس: لبنان المجاعة جايي!
فقد نشر موقع "تاغس شاو" الألماني تقريرا سلط من خلاله الضوء على الأزمة السّياسية والاجتماعيّة التي يشهدها لبنان، وسط مخاوف من انتشار المجاعة بحلول نهاية الشهر، قال الموقع الالماني، إنّ فساد النظام السّياسي وتدهور الاقتصاد ووباء كورونا تعد من العوامل الأساسيّة التي تفاقم الأزمة في لبنان.
وفي ظل تزايد أسعار الموادّ الغذائية بشكل مطرد والفقر المدقع من المحتمل أن تشهد البلاد مجاعة بحلول نهاية الشهر.
تقف فاطمة، وهي أم لخمسة أطفال، على بسطة الخضار متفحصة المعروض منها. ومن هنا صبيّ صغير لم يتجاوز عمره الستّ سنوات يتسوّل، وتقول: "يريد هؤلاء الفقراء طعاما. فماذا عساهم أن يأكلوا؟ لا شيء". تقف فاطمة أمام الطماطم والخيار والكوسا والباذنجان وما كتب عليها من أسعار، وتقول: "أنا أبحث عن أرخص المأكولات. لا نستطيع شراء اللحوم أو الدواجن! فقط بعض الخضار، أرخص شيء وجدته الآن هو البطاطا. أحيانًا آتي إلى السّوق ولا أتمكن من شراء سوى خضروات نصف فاسدة".
وذكر الموقع أن منطقة صبرا تعد واحدة من أفقر المناطق في بيروت وبالتحديد في محافظة جبل لبنان. إنّ الازدحام أمام أكشاك الفاكهة والخضروات كبير جدّا، حيث دائما يبحث الزّبائن عن عروض رخيصة.
ويقول أسامة أحد التّجّار وباعة الخضار هناك: "الأسعار مشطة! كيلوغرام من الخيار يكلف 10 آلاف ليرة، وحفنة من الزعتر تكلف 5 آلاف ليرة. ما الذي يقدر أن يأكله الناس هنا؟ كيف يجد الصّبيّ ما يسد به رمقه؟".
وفقًا للبنك الدّولي، فإن أسعار الموادّ الغذائية ليست مرتفعة بهذا الشكل في أي من بلدان الشرق الأوسط الأخرى، كما هو الحال في لبنان. ويعود ذلك إلى أنّ البضائع المستوردة من الخارج يتمّ دفع ثمنها باليورو أو الدولار.
ونقل الموقع عن الخبير المالي في بنك "بيبلوس" نسيب غبريل قوله إنّ الأزمة عميقة وتتكون من عدة أزمات أخرى: "عانينا أزمة اقتصادية وأزمة مالية وأزمة عملة قبل تفشي وباء كورونا، ثم حدث انفجار في مرفأ بيروت".
يقول الخبير المالي غبريل إن تشكيل حكومة جديدة سيكون الشرط الأساسي للخروج من هذه الأزمات، مشيرا إلى أن "الأحزاب السياسية تتصارع بدلاً من تشكيل حكومة جديدة. نحن بحاجة إلى حكومة ذات مصداقية محليًا ودوليًا". وأضاف غبريل أن الحكومة يجب أن تعمل على صياغة خطة إصلاح شاملة للاقتصاد والميزانية العامّة حتى تتمكن من تحسين الظروف الاجتماعية والوضع النّقدي.
إنّ أزمات البلاد محلية بالأساس، وهي ناتجة عن الفساد وسوء الإدارة من قبل النخب الجشعة التي نهبت أموال الدّولة على مدى عقود.
ووفقًا للبنك الدولي، يعيش أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم حوالي سبعة ملايين نسمة تحت خطّ الفقر وأكثر من 20 بالمئة يعيشون في فقر مدقع.
نقل الموقع عن رجل الأعمال خالد شهاب، أحد المتبرّعين بتقديم وجبة الإفطار إلى الفقراء خلال شهر رمضان في صبرا، أن "المشكلة الأكبر هي تراجع قيمة العملة مقابل ضرورة استيراد معظم المواد الغذائية من الخارج.
يجب إيجاد حلّ، ففي رمضان يتبرّع الناس بالطعام، ولكن ماذا سنفعل بعد رمضان؟ لا يمكن أن تستمر الحياة على هذا النّحو، وإلا سيدفع ذلك الناس إلى السرقة وارتكاب الجرائم".
وأشار الموقع إلى أن منصور شاب يبلغ من العمر 20 عامًا وهو واحد من مئات الآلاف من السوريين الذين فروا إلى لبنان. قال منصور معبرا عن استيائه من الوضع الذي وصلت إليه البلاد: "وضعنا سيء. لا يوجد شيء. ولا يمكننا العودة إلى سوريا. آتي إلى هنا كلّ يوم لتناول الطعام. لا توجد وظائف. لا يجني المرء هنا الكثير من خلال عمله، فما يكسبه كعامل يومي بالكاد يكفيه لتغطية مصاريف السّكن".
وتشير التّوقعات إلى أنه بحلول نهاية الشّهر، أي مع انتهاء شهر رمضان، ستنفد احتياطيات لبنان من النّقد الأجنبي، وتقل الإعانات المالية للأغذية الأساسية، لتعود الأسعار للارتفاع من جديد.
بتصرف عن: عربي 21