منذ وقوع الكارثة شبه النووية التي عصفت ببيروت وأدّت إلى استشهاد العشرات وجرح الآلاف وتشريد عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين تحوّلت غالبية بيوتهم إلى شبه ركام، وأطاحت بمرفأ بيروت وما فيه من منشآت وآليات، وبعيداً عن الأسئلة المشروعة حول خلفيات وخفايا وأسرار هذه الجريمة المروّعة في حقّ العاصمة وأبنائها، وضرورة الوصول إلى كشف المجرمين المسؤولين عنها إهمالاً وتواطؤاً وتستراً واستقالةً من المسؤولية عنها أو تقاذفاً بين "عديمي المسؤولية" عن التقصير، لا بدّ من طرح سؤالٍ وحيدٍ مشروع، ولكن بعد توجيه التحيّة إلى سواعد الشابات والشباب اللبنانيين الذين أثبتوا أنهم الأمل الوحيد الذي يمكن التعويل عليه للشروع ببناء لبنان الذي يشبههم جمالاً وحماسةً وتعاضداً وتجاوزاً لكل ما يفرّق بينهم، على أنقاض لبنان البشع الذي سلّمناهم إياه ويصرّ وحوش السلطة وأباطرة الطوائف على إحيائه فوق ركام حقوق وآمال هؤلاء واللبنانيين جميعاً. وكذلك الشكر لكل المؤسسات الدولية التي هبّت إلى نجدتنا منذ اللحظة الأولى.
السؤال هو: أين هي السلطة الرسمية "الشفافة" التي ينبغي أن تكون إلى جانب بنيها المنكوبين؟
إذا كنا نعذر- أو ننصح – الوزراء والنواب والمدراء العامين والمرجعيات الصنمية بعدم القيام بذلك صوناً لهم من غضبة الناس وتجنّباً لإصابتهم بالأذى المعنوي الذي يستحقونه، من رفضٍ لحضورهم إلى شتمهم وطردهم، فإنّنا نسأل عن الهيئات المعنية بموجب القانون والمطلوب منها القيام بدورها فعلاً لا استعراضاً. أين هي الهيئة العليا للإغاثة وغيرها من الهيئات المنوط بها العمل الميداني؟
وما الذي يعيق تشكيل "هيئة كوارث" تضمّ مؤسسات رسمية وعسكرية ونقابية ومدنية، تكون أولى مهامها عقد مؤتمرٍ صحفيّ يومي يجري خلاله إطلاع أهالي الشهداء وكذلك الجرحى والمصابين وأصحاب المنازل والممتلكات المتضررة على ما جرى الكشف عنه بالأرقام، وما تمّ إنجازه بالأرقام أيضاً، وتستعرض خطةً عملية وواقعية وفورية لمباشرة عملية إعادة إعمار ما تهدّم، وتحديد آلية التعويض لكل من لحق به ضرر؟
نتابع عبر وسائل الإعلام مبادراتٍ فردية فعلية لا بدّ من تقديرها عالياً، يتولاها أطباء وممرضون ومهندسون وطلاب ومتطوّعون من مختلف الأعمار والإمكانات، تخلّوا عن أعمالهم ليكونوا إلى جانب أهلهم واضعين قدراتهم بتصرّفهم من دون مقابل، لكنّ من حقّ كل أمّ ثكلى، وكل من فَقَد عزيزاً، وكل من أصيب بإعاقة أو جرح، وكل من فَقَد أمان البيت ودفأه، وكل من بات في غمضة عين بلا معيل أو مأوى أو عمل، من حقّهم جميعاً أن يعرفوا ما الذي ستقوم به دولتهم للتعويض عليهم والتخفيف من وقع المأسة التي لحقت بهم.
عرفنا عدد الشهداء، لكنّ أحداً لم يخبرنا بالإجراء الذي اتخذته الدولة تجاه ذويهم.
عرفنا عدد الجرحى، لكننا لم نعرف من يتولّى نفقة علاجهم، ومن سيرعى لاحقاً من أصيب منهم بإعاقة.
عرفنا بكثيرين عصفت بهم صدمةٌ معنوية من جراء هذه الكارثة، لكننا لم نعرف من يتولى دعمهم نفسياً.
مَن أخبرنا بالعدد الفعلي للبيوت المتضررة، ونسبة الدمار اللاحق بكلٍّ منها، والتقييم المالي لهذه الأضرار وكلفة وكيفية ترميمها؟
عرفنا أنّ دولاً عدّة قدّمت مساعدات مالية وعينية وغذائية وطبية ولوجيستية ومستشفيات ميدانية، لكننا لم نعرف ما الذي قدّمته كل دولة، وكيف جرى توزيع هذه المساعدات، ومن الذي استفاد منها؟
متى ستنطلق ورشة إعادة الإعمار ومتى تنتهي؟ وبأيّ كلفة؟ ومّن يموّلها؟ وكيف يتمّ تقديم طلبات التعويض ومتابعتها؟
من هم الموثوق بهم للإشراف على هذه العملية وإطلاعنا على كامل تفاصيلها الحالية واللاحقة؟ ومن يتولّى الرقابة وضمان حسن سير الأعمال بعيداً عن المحاصصة أو الافتئات أو حتى السرقة؟
كم سيّارة دمّرها الانفجار الكارثي؟ من سيتولّى تعويض مالكيها؟ ما دور وكالات التأمين وحصتها ومساهمة الدولة فيها؟
بالرغم من أننا في جمهوريةٍ يكتفي رئيسها بالتأكيد على أنه تلقّى إنذاراً مسبقاً بوقوع هذه الكارثة، لكنّ "صلاحياته" منعته من اتخاذ أيّ قرار لتجنّبها، لكنّ معالجة آثارها تبدو مطلباً ملحّاً من خلال تشكيل هيئة كوارث يكون من حقّ كل اللبنانيين الاطلاع على مسار أعمالها يوماً بيوم، ومن واجب الوزراء المعنيّين في حكومة تصريف الأعمال تنفيذها فوراً بمشاركة كل الهيئات والصناديق التي أهدرت فيها المليارات.