بين الخطاب والواقع بوْن شاسع، مساحة من الخواء تصيب فينا مقتلا، وتحيلنا إلى الخراب القادم (لا قدر الله)، والإجهاز على ما بقي من لبنان، وكأننا محكومون بفائض انعدام وعي وغياب ثقافة وشعبوية مقيتة مقنعة تتقصد اليوم التعاطف معها، بعد أن بانت الصورة على حقيقة أن "التيار الوطني الحر" هو أصل البلاء في هذا البلد الصغير، دون نسيان منظومة الفساد لمجمل أركان السلطة، سابقا وراهنا.
لم أتمكن من متابعة كلمة رئيس التيار النائب جبران باسيل وهو "يرسم" لنا خارطة طريق للبنان الجديد، ولم يأخذنا بـ "خارطته" إلى لبنان التنوع والثقافة والعيش الواحد بعيدا من أقبية الماضي ودهاليز الموت والحرب والتلسط والفساد، ولست أيضا من هواة هذا النوع من خرائط الطرق المفضية إلى الكوارث، وما عدت أشفق متضامنا مع الجلاد وهو يستحضر وجع الضحية، ويريد من اللبنانيين أن يصدقوا وجعا أصابه، فيما هو لا يزال محكوما بإرث من شعارات فقدت مضمونها وباتت كلمات جائفة لا يستقيم معها حال ولا يطمئنُّ معها بال.
مكابرة لا تفضي لغير الموت، موت لبنان، مكابرة من يريد إيهام الناس أنه "الضحية"، متناسيا كيف انحدر الخطاب السياسي في لبنان إلى طائفية بغضاء نبشت قبور الماضي وأعادت "المتاريس" بين اللبنانيين، خصوصا يوم قرر رئيس التيار القيام بجولات على مناطق لبنانية متبنيا خطابا مستفزا أفضى إلى سقوط شهداء في البساتين – قبرشمون.
انتقد الاقطاع السياسي وهو بات أحد وجوهه، ولما يزل في غربة عن واقع وتطورات دفعت اللبنانيين إلى الكفر بالعهد ومن يدعمه، فيما السلطة (وهو أحد أبرز أركانها) لا تزال تمعن في قمع الناس وسلب مدخراتهم وتجويعهم وتفجيرهم أيضا.
Game Over، اللعبة انتهت، أو شارفت على النهاية أنى كانت التطورات والمستجدات، ومن نعَم الله على اللبنانيين أن جربوا التيار الوطني الحر، ليدركوا أن أي توجه تعصبي يسقط لبنان في أتون القلق، وقد أسقطه!
ما بعد 17 تشرين ما عاد كما قبله، وما بعد انفجار المرفأ لن يكون كما قبله!