info@zawayamedia.com
تربية وثقافة

لا أنتمي لوطن… لا أنتمي لحزب أو دين!

لا أنتمي لوطن… لا أنتمي لحزب أو دين!


الآباء حول العالم يغرسون القيم في أبنائهم، لكن على الرغم من أن بعض هذه القيم تبقى ثابتة كالقيم الأخلاقية، ومنها الصدق والأمانة وسائر المناقب والمثُل العليا، ثمة قيم أخرى ومنها على سبيل المثال لا الحصر القيم الوطنيّة التي تتفاوت بين شعبٍ وآخر أو مجموعة إنسانية وأخرى، والدليل على ذلك هو ذاك التباين الكبير في مفهوم حب الوطن بين الشرق والغرب وأيضا بين سائر الثقافات في العالم.


فحب الوطن في الغرب هو معرفة تاريخ الوطن والتصالح معه، أما في الشرق فهو إنتقاء ما يتناسب مع المصالح. حب الوطن في الغرب يتواءم مع الحرية، أما في الشرق فيتواءم مع الخضوع والذل والهوان. حب الوطن في الغرب يعني الحفاظ على الوطن، أما في الشرق فيعني تدميره. حب الوطن في الغرب يعني العيش من أجل الوطن، أما في الشرق فيعني الموت في سبيله.


وفي مـا خص لبنان، فإن أي معضلة سياسية أو اجتماعية تأخذ أبعاداً متعددة. تتوسع هذه المفاهيم الخاطئة عن حب الوطن لتشمل المنطقة الجغرافية والدين والحزب، فالفرد في لبنان يختزل الإنتماء إلى الوطن بالإنتماء إلى منطقته ودينه وحزبه. ولكن مثل أي قاعدة يوجد إستثناء، فهناك قلّة قليلة من الأفراد يرفضون بصدق هذه المفاهيم. فهل هم مستساغون من هذا المجتمع؟


أستذكر حادثة حصلت عندما كنت في الجامعة، يوم دخلت مكتب أستاذي الذي كان يستقبل عددا من الأساتذة الآخرين. قال لي كم أنا محظوظة كوني أقطن في منطقة ذات مناخ معتدل خلال هذه الأيام الحارّة، وعندها علّقت أستاذة سائلة: "إذاً إنت من هذه المنطقة؟"، فأومأت بالإيجاب، وعندها قررت قصف جبهتي أنا، أنا التلميذة، فقالت: "أنتِ إذاً من هجّرنا من بيوتنا في هذه المنطقة." لم أتدارك الأمر حينها وما زلت لا أستوعب ما قالته.


لم أكن على هذه الأرض عندما إندلعت الحرب الأهليّة في لبنان، لكن هذه الأستاذة حمّلتني مسؤولية ما حلّ بها. ولم أنتسب لأي حزب عنوةً لأنني أبغى المحافظة على أفكاري الحرّة، لكن هذه الدكتورة إستنتجت أنّني الطرف الخصم. ولا زلت أجهل تداعيات الحرب الأهلية عمداً لأنني لا أريد حشو ذاكرتي بقصص متضاربة عن مظلوميات كل جبهة، لكن هذه البروفيسورة فرضت عليّ ذكرى سوف تلازمني ما حييت. شكراً!


هذا مثالٌ واحد على ما يمكن لهذه المفاهيم الخاطئة أن تُنتج. فكل هذه المفاهيم شوّهت أجيالاً كاملة، والمؤكد أنها سوف ترمي بثقلها على الأجيال القادمة أيضاً. لكن الأسوأ من هذا كلّه هو أنّ الأفراد المتحرّرين من الإنتماءات المناطقيّة والدينيّة والحزبيّة فقدوا الشعور بالإنتماء لوطن لا يشبههم.


فما هو ملاذنا الأخير؟