من الصحافة الورقية في السفير لتسع سنوات إلى روايته الأخيرة والمترجمة إلى الإنجليزية بعنوانها الصادم "الإله في إجازة قصيرة" والمستعارة من مقال له بنفس العنوان بعيد استشهاد "إيلان" الطفل الكردي على شواطئ النزوح، فالمسرح كتابة في "أفيون" ثم كتابة وإخراجا في "أسرار" والفيديو القصير، يتابع الصحافي جعفر العطار إطلالاته التي تعرّي الواقع بنصوص سوريالية، ولكن في الوقت نفسه، بخيل في إظهار أسراره، إذ يبوح من خلال نصوصه بالنذر اليسير.
عنوان الرواية الإله... في إجازة طويلة، جعلتها ممنوعة في كثير من الدول العربية وباللغتين، حيث ترجمها جاد خوري، في 170 صفحة، تنقل مواجهة البطل "آزاد" مع فكرة إنجاب "طفل أو طفلة" من زوجته مريم التي تزوجها بعد علاقة دامت 4 سنوات، ليحاول في لوحات الرواية التي يغوص فيها في أفكار وعلاقات وخيال "آزاد" أن يلغي الحدود بين الواقع والخيال، وأن يرسم بنية رواية غير مألوفة، فيها من الصراعات والمواجهات النفسية والإجتماعية والعلاقات المختلفة في حياته والأسئلة الفلسفية والمحرمة من الله أو الإله، إلى الوجودية، إلى الإنجاب، إلى المسلمات، للوصول إلى ما يحاول أن يقوله العطار عبر إنتاجه الإبداعي، حيث يصبح بطل الرواية العطار نفسه أو القارئ عندما يعيش أحداث وحبكة الرواية التي يقرأها ومع كل سطر.
وفي النصوص التالية من الرواية، ومنها في صورة الغلاف الخلفي للرواية الورقية، ما يمكن أن يفسّر أو يلقي الضوء على ما يحاول العطار إيصاله:
آزاد:
قبل الزواج، لم يكن خوفي من الإنجاب خوفاً محتماً. كان طيفاً يظهر أمامي بين اليوم والآخر، طيفاً أشبه بصورة ضبابية لفتى حزين بعينين زائغتين ووجه شاحب، يسألني ذات يوم كئيب: من قال إنني أريد أن أحيا في مكان لا مفر فيه من الموت؟
في فترة الخطوبة، سألت آباء وأمهات عن الأسباب التي دفعتهم إلى الإنجاب. ثمة من أخبرني أنه فعل ذلك لأنه يريد أن يشعر بمعنى أن يكون أباً ويؤسس عائلة تؤنسه وزوجته. كان يخبرني بذلك كما لو أنه يتحدث عن طقس يوم الأربعاء. وهناك من قال: الأولاد يساعدونني مالياً حين أصبح في سن الستين.
وثمة من فسر رأيه بأنه سئم من العيش وحيداً مع زوجته، فأنجبا طفلة لتسليهما في عزلتهما. لكن أحد زملائي قال لي جواباً لطيفاً: كل أصدقائي وأشقائي تزوجوا، فتزوجت، وكلهم أنجبوا أطفالاً، ففعلت مثلهم.
وفي نص آخر:
قال آزاد: ملل. تبدو لي أيام الآحاد مملة. لا مفاجآت فيها. هادئة وخفيفة. لا أعرف لماذا يحمل يوم الأحد في مخيلتي لوناً أحمر باهتاً، وصوت عصفور يغرد وحيداً.
نهضت من السرير واستلقيت على الكنبة. استعدت عزلتي المفقودة. تعودت أن تكون هذه الكنبة صديقتي في أيام وحدتي. انتظرت أن يرن هاتف المنزل. ثمة شعور بأن مريم ستتصل اليوم. ليس حدساً، وإنما رغبة.
عدت إلى السرير. تمددت مثل ميت ومارست هوايتي المفضلة: النظر إلى السقف. أنظر وأنتظر حتى يغدو السقف لوحة تمر فيها صور تتحرك. وجوه. أفكار مبعثرة. لقطات. بقايا أحداث. أثر ذكرى. ألوان.
توقفت اللوحة عند صورة لغرفة جدرانها من الخشب فيها سرير واحد. توالت الصور: مريم عارية وأنا فوقها، تتوسل بنبرة مرتبكة: لا.
أتوقف. أبتعد. أقترب منها وأعانقها. دموعها تلامس عنقي. أقبلها في جبينها وأمسح دموعها برفق. تعانقني بشدة ثم يهدأ نشيجها الخافت شيئاً فشيئاً.
تقول لي إنها مخطوبة.
تختفي الغرفة من اللوحة. تتمزق الصورة الأخيرة.
يتلاشى الصوت. يعود اللون الأبيض إلى السقف.