info@zawayamedia.com
عرب وعالم

محمد بن زايد وعبارته الخالدة: لا تشلّون هم

محمد بن زايد وعبارته الخالدة: لا تشلّون هم


في مثل هذه الأيام، قبل عام، قصدتُ أحد مراكز التسوّق في دبي لشراء ما أحتاج إليه من مأكولاتٍ وأغراضٍ منزلية، كما هي العادة في كل أسبوع، لأُفاجأ بمشهدٍ لم أرَ مثله سوى في المسلسلات والأفلام: طوابير من المتسوّقين - من مختلف الجنسيات - يقفون بانتظار دورهم في خطٍّ طويل قبل صناديق الدفع، وأمام كلٍّ منهم عربة تسوّق أو أكثر، ملأى بأعدادٍ مضاعفة من المنتجات التي يتسوّقها في الأيام العادية، وكذلك بمنتجاتٍ لا يحتاجها، لكنّ يده وقعت عليها فرماها في عربة التسوّق، قبل ان يأخذها غيره! فيما علامات القلق والتوتر مرسومةٌ على وجوه الجميع: إنه الخوف من خبرٍ جرى تناقله عن الاتجاه إلى الإقفال العام في الدولة، في مواجهة أولى موجات "جائحة كوفيد 19".


هذا الخوف يمكن تبريره لمن عرفوا في بلدانهم محناً أدّت إلى فقدانهم الأمان الغذائي، بعد نفاد المواد الغذائية في مراكز التسوّق، سواء إبان مراحل سابقة عاشوا فيها ويلات حروب داخلية أو اعتداءات خارجية، أم في مـا عاشته بلدانهم الأصلية من أزماتٍ خلال الجائحة، أدّت إلى تبخّر المواد الغذائية والدواء، نتيجة تهافت الناس "الطبيعي" على شرائها، وافتقاد حكوماتهم إلى خطة طوارئ لمواجهة تداعيات هذه الجائحة، وتقصيرها في وضع برامج عملية تنظّم سُبل التعامل معها.


عذرتُ لهؤلاء خوفهم وقلقهم وتوترهم، ولا سيما منهم من لديه أبناءٌ وأطفال يخشى عليهم جوعاً أو نقصاً في الغذاء أو الدواء، فهذا فعلٌ غريزي، لكنّي لم أجارهِم في مـا يعيشونه، بل اشتريتُ الأغراض القليلة التي كنت أحتاج إليها وغادرت.


لم أشعر للحظةٍ بأيّ قلق، مع أنني من بلدٍ (لبنان) عشت فيه ما لا يُحصى من مشاكل وأزماتٍ وحروب عرفنا خلالها الكثير من المآسي، وعانينا الكثير من العوز، وافقتدنا الحدّ الأدنى من حقوقنا في الأمان والمسكن والمأكل والمشرب.. لكنني أعيش هنا، في دبي، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة التي أنعم الله عليها وعلى بنيها والمقيمين فيها بقياداتٍ تمتلك حكمةً ورؤيةً سديدة، يتوّجهما حسٌّ عالٍ بالمسؤولية تجاه الناس، وفوق ذلك كلّه تقديمٌ للمصالح العامة على المصلحة الخاصة، واعتبار الموقع أو المقام مجرّد منصبٍ متقدّم يتطلّب من صاحبه بذل المزيد في سبيل سلامة وراحة وأمن وأمان الآخرين ورغد عيشهم وسعادتهم.


أعيش هنا، في دبي ودولة الإمارات، منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، متفاعلاً مع إخوةٍ لي من أكثر من 200 جنسية في العالم، تجمعني بهم إنسانيتنا والمساواة في الحقوق والواجبات، ومثلهم أنعم بالطمأنينة وفرص العمل والراحة والترفيه، وأستمتع بالرفاهية التي توفّرها خدماتٌ "ذكية" على مختلف المستويات، باتت هذه الدولة الفتية رائدةً فيها عالمياً، وصارت تنافس أرقى الدول في شتّى المجالات، وقد زرعت أخيراً رايتها على أرض المريخ.


يومها، قبل عام، لم أكد أصل بيتي حتى سمعتُ تلك العبارة الخالدة بصوت صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ولي عهد أبوظـبي، يقولها بنبرةٍ مفعمة بدفء عاطفة الأبوّة: "لا تشلّون هم"، مضيفاً بثقة القادر بما تملكه بلاده ويتحلّى به حكامها وشعبها: "الغذاء والدواء خطٌّ أحمر."...


عبارةٌ نزلت في النفوس المضطربة بَرَداً، وأزاحت غيوم الخوف والتوتر، وبدّدت سواداً كان يشوب نظرة البعض إلى الغد، واستبدلته بمروجٍ من التفاؤل نثرت طمأنينة وسلاماً في القلوب التي استعادت نبض حياتها الطبيعية، في ظروفٍ استثنائية.


عبارةٌ لم تشمل بعمقها الإنسانيّ مواطني الدولة والمقيمين على أرضها فحسب، بل أيضاً السيّاح الذين صدف وجودهم فيها خلال تلك الفترة الحرجة.


عبارةٌ تنبع ليس من ثقةٍ بالذات وبمقدّرات البلاد فحسب، بل تستند إلى روح التعاضد الإنساني الذي هو توأم وجوهر دولة الإمارات، منذ أرسى قيم الانفتاح والتسامح والسلام والتآزر فيها المؤسس المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لتصير دستور البلاد ونهج حكامها وألف باء حياة بنيها.


"لا تشلّون هم"... استجبنا لهذه الدعوة بكل بساطة، وطردنا كل شعورٍ بخوفٍ أو قلق. وخلال الإجراءات الوقائية الاستباقية الصارمة (التي أثبتت جدواها) لم يشعر أيّ منا بأيّ نقص، بل على العكس من ذلك، تكافل الجميع في مبادراتٍ أطلقتها مؤسسات القطاع العام بمشاركة مؤسسات القطاع الخاص، جسدت قولاً وفعلاً الروح الإنسانية الجامعة التي تذخر بها أرض الإمارات الطيبة.


"لا تشلّون هم"... عبارةٌ ستُخلّد في سجّل كبار رجالات الدولة، وستظلّ بصدقها وفعلها عنواناً لبلاد الخير والعطاء والطمأنينة والحداثة والإنسان.


 

بسام سامي ضو

بسام سامي ضو

كاتب وصحافي لبناني مقيم في دبي