بمناسبة قداس الشعانين، ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي، "كابيلا القيامة"، وكان للراعي مواقف عدة تتعلق بالشأن الداخلي ضمن عظته تحت عنوان " إستقبل الشعب يسوع ملكا بأغصان النخل".
وقد عاون الراعي في القداس المطرانان حنا علوان وبيتر كرم، أمين سر البطريرك الأب هادي ضو، القيم البطريركي العام الأب جان مارون قويق، رئيس مزار سيدة لبنان حريصا الأب فادي تابت، وبحضور رئيس قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان الجنرال ستيفانو دل كول، رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر، السفير جورج خوري، قنصل جمهورية موريتانيا إيلي نصار، رئيس مؤسسة البطريرك صفير الاجتماعية الدكتور الياس صفير، وعدد من المؤمنين الذين التزموا الإجراءات الوقائية.
بعد مباركة أغصان الزيتون وتلاوة الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظته التي تناولت استقبال الشعب للمسيح بعفوية حاملين أغصان النخل "الذي أعلن قوة المحبة التي تفوق قوة المال والسلطة، وتعطيهما معنى وروحا"، في حركة الجمع نرى كيف أن الجمهور المحكوم سليم العقل والقلب، أما الحكام ففاسدون، الجمهور آمن بيسوع، أما الحكام فلم يؤمنوا. الجمهور مشى مع يسوع نحو سر موته وقيامته، أما الحكام فبدأوا يفكرون بإهلاكه حسدا وسخطا، لأن العالم كله قد تبعه، في قلب الجمهور سادت المحبة للمسيح، أما في قلوب الحكام فحقدٌ وحسدٌ وبغض"، وأضاف "صحح يسوع النظرة، إذ دخل أورشليم وهو يمتطي جحشا (يو 12: 14). لم يكن يمتلك هذا الجحش، ما يدل على ملوكيته المتواضعة والفقيرة، لم يدخل على جواد ومركبة، بالبطش والقوة، كالملوك الزمنيين الذين غالبا ما كانوا ظالمين وطماعين، ويخضعون شعوبهم بالحروب. يسوع الملك الجديد لم يدخل المدينة على رأس جيش، بل بالحب والسلام والطمأنة: "لا تخافي، يا ابنة صهيون! (وهو كلام موجه إلى كل شعب أورشليم، وبخاصة إلى الذين رفضوه"، هوذا ملكك آت راكبا على جحش ابن آتان" (يو 12: 15)، بحسب نبوءة زكريا (9:9)".
وقال الراعي "فيا ليت المسؤولين السياسيين عندنا، الممسكين بسلطان الحل والربط بشأن تأليف الحكومة، والبدء بالإصلاحات وعملية الإنقاذ الإقتصادي والمالي، يسمعون لصوت الله الذي لا يسكت بل يبكّت (يؤنّب) ضمائرهم! ويا ليتهم يسمعون لصوت الشعب الذي لا يسكت وهو مصدر سلطتهم وشرعيتهم، ويا ليتهم يسمعون صوت المليوني فقير من شعبنا الذين لا يسكتون عن حقهم في كفاية العيش الكريم! ويا ليتهم يسمعون لصوت شبابنا الذين لا يسكتون مطالبين بمستقل لهم في الوطن لا في البلدان الغريبة!".
ولفت إلى أنه "كان بمقدور الجماعة السياسية أن تغير نظرة الشعب إليها وتعوّم دورها، لو استيقظت على الواقع وعدلت بسلوكها وعملت على إنقاذ لبنان، وخصوصا بعد تفجير مرفأ بيروت، لكن معظم المسؤولين تمادوا في الخطأ والفشل واللامبالاة، حتى أن بعضهم أعطى الأولوية لمصالح دول أجنبية ولم يسألوا عن مصير الشعب الذي انتخبهم، فسقطوا وأكدوا أنهم غير صالحين لقيادة هذا الشعب الذي ضحى في سبيل لبنان، واستشهد أفضل شبابه وشاباته من أجل هذا الوطن"، وأضاف "نحن نرفض هذا الواقع وندين كل مسؤول سياسي أوصل دولةَ لبنان وشعب لبنان إلى هذه الحالة المأسوية، لم يكن هذا الصرح البطريركي يوما مؤيدا لأي مسؤول ينأى بنفسه عن إنقاذ لبنان وشعبه. لم يكن هذا الصرح يوما مؤيدا لسلطة تمتنع قصدا عن احترام الاستحقاق الدستوري وتعرقل تأليف الحكومات. لم يكن هذا الصرح يوما مؤيدا لجماعات سياسية تعطي الأولوية لطموحاتها الشخصية على حساب سيادة لبنان واستقلاله"
وقال: "يأتي عيد الشعانين على عائلاتنا حزينا، بسبب حالة اليتم التي أوقعها فيها المسؤولون السياسيون. كانت هذه العائلات تنتظر هدية العيد، حكومة إنقاذية غير حزبية، مؤلفة من خيرة الإختصاصيين في العلوم والخبرة والإدارة، أحرارا من كل لون حزبي وسياسي ومن كل ارتهان، قادرين على القيام بالإصلاحات والنهوض بالبلاد. نرجو الا يحرموا عائلاتنا من هذه الهدية في عيد الفصح،نرجو، لكي تتحقق الهدية، أن يدرك رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف إنهما، إنطلاقا من الثقة المتبادلة والمسؤولية المشتركة، محكومان بالتشاور وبالإتفاق وفقا للقاعدة التي جرت منذ التعديلات الدستورية عام 1990 ما بعد الطائف، إذ كانا يحددان معا المعايير ويختار كل منهما وزراء، ثم يتفقان على التشكيلة برمتها (راجع زياد بارود في نداء الوطن 25 آذار 2021).
وختم الراعي: " إننا إذ نهنئكم جميعا بالعيد ولا سيما شبيبتنا واطفالنا، نسأل الله، الذي أوصلنا ليتورجيا وروحيا إلى الميناء، كما سنحتفل برتبة الوصول هذا المساء، أن يجعله أسبوعا مقدسا بذكرى آلام ربنا يسوع المسيح، فنبلغ به حالة العبور الفصحي إلى حياة روحية وإجتماعية ووطنية أفضل، لمجد الثالوث القدوس، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".