مع قرب وصول اللقاح الروسي Sputnik V إلى لبنان وبكمية تقدر بمليون جرعة لقاح، بهدف استخدامه في الحملة الوطنية للقاح، ثمة علامات استفهام عدة حوله، حول فعاليته والتجارب التي أجريت عليه، فضلا عن عدم صدور قرار من وكالة الأدوية الأوروبية EMA لاستخدامه في أوروبا وأسوة ببقية اللقاحات، وتأجيل قرارها لأسابيع حول الإستخدام الطارئ لهذا اللقاح، وعلى الرغم من ذلك، صرحت عدد كبير من الدول وفي القارات الخمس باستخدامه، فضلا عن دول أوروبية عدة ضمن الإتحاد الأوروبي وحول العالم، بالإضافة إلى مفاوضات دول في أوروبا وحول العالم للشركة المصنعة للحصول عليه، فلنحاول التعرف على المزيد عن هذا اللقاح.
وفي هذا المجال، نورد هنا ما أوضحته الباحثة في العلوم السرطانية والبيولوجيا الجزئية في معهد تولوز الفرنسي الدكتورة أصالة لمع، حول تاريخ اللقاحات وصولا إلى هذا اللقاح وغيره، ونخصص في هذا المقال، المعلومات التي أوردتها حول اللقاح الروسي Sputnik V.
لمحة تاريخية عن اللقاحات
فمنذ أن بدأت فكرة المناعة عبر التلقيح وبمراكمة المعرفة المبنية على الملاحظة العلمية والتطبيق العملي، أو بالتحديد منذ العام 1769، لا زال هناك من مشككين، ومن يحاولون رسم صورة قاتمة ونظريات مؤامرة حول العملية بأسرها.
وغردت لمع على صفحتها الخاصة على موقع التواصل الإجتماعي "تويتر"، والذي يتابعه الكثيرين، وضمن سلسلة من التغريدات وبلمحة تاريخية بأن البداية كانت في العام 1769، وأثناء ذروة وباء الجدري، ومن الملاحظة العلمية للطبيب إدوارد جينير، وبعد أن فتك هذا الوباء بالملايين، حيث وصلت نسبة الوفيات إلى حوالي 20 بالمئة، فضلا عما يتركه من ندوب مشوهة على وجوه وأجساد المصابين به، فقد لاحظ جينير، بأن مرض جدري الأبقار والذي يشبه مرض الجدري البشري إلى حد كبير، قد حمى المزارعات اللاتي أصبن بالمرض من الأبقار من الوباء البشري القاتل! لينقل بعدها العالم لويس باستور علم اللقاحات إلى المستوى الثاني، وتبدأ التجربة بلقاح السعار Rabies، وليتمكن من إنقاذ طفل تعرض لعضة كلب مسعور، ولتكر السبحة بلقاحات شلل الأطفال والحصبة والسحايا وغيرها، وأن تتمكن حملات التلقيح المتتابعة من القضاء على أوبئة وأمراض خطرة ومنها مرض الجدري وشلل الأطفال وغيرها إلى حد كبير، وأن تنقذ حياة الملايين من البشر.
اللقاح الروسي
ووفقا للمع، ومتابعاتها الحثيثة والدقيقة في هذا المجال، وضمن سلسلة من التغريدات، فإن "اللقاح الروسي عبارة عن جرعتين ويعطى بفارق 21 يوما، وسعره 10 يورو، ونستطيع أن نقرأ على موقع اللقاح أن الشركة لا تبتغي الربح من بيعه، كما وأنه يحفظ على درجة حرارة التبريد العادية"، ولفتت إلى أن "اللقاح الروسي، هو من ابتكار وتطوير مركز Gamaleya للأبحاث، ويعتمد تقنية الناقل الفيروسي، أسوة بلقاحات أسترازينيكا – أوكسفورد AstraZenica-Oxford وكذلك جونسون أند جونسون Johnson and Johnson، إلا أن اللقاح يتميز عن اللقاحين السابقين باستخدامه نوعين مختلفين Ad5 وAd26 وهي من الفيروسات أدينو الناقلة والمعدلة بهدف تفادي انخفاض الاستجابة المناعية للناقل بعد الجرعة الأولى وتأمين حماية أطول".
وأشارت لمع إلى أن "هذا أصبح اللقاح أول لقاح يصرح له بشكل رسمي كلقاح ضد الكوفيد_19 في روسيا في 11 آب (أغسطس) الماضي، حين صرحت الهيئات الروسية باستخدامه وقبل نشر أي من نتائجه العلمية، ما طرح الكثير من علامات الاستفهام حول اللقاح"، وتابعت: "إنما بعد شهر، نشرت نتائج المرحلتين الأولى والثانية بكل شفافية في مجلة the lancet، نشرت بعدها نتائج المرحلة الثالثة في المجلة نفسها في 2 شباط (فبراير) 2021، حيث أظهر اللقاح فعالية عالية، ومضاعفات جانبية عادية. وتقدر الحماية بعد الجرعة الأولى بـ 73 بالمئة وب 91 بالمئة بعد الجرعة الثانية".
ولفتت لمع إلى أنه "حتى اليوم حصل اللقاح على تراخيص في 56 دولة، وبرغم عدم تصريح أوروبا له، بدأت عدة دول اوروبية باستخدامه كهنغاريا وسلوفاكيا مثلاً، كما أن دولا أخرى كتشيكيا والنمسا أعلنتا أنهما تفاوضان الشركة لطلب اللقاح، كما أعلنت كل من ألمانيا وايطاليا عن استعدادهما للأمر نفسه"، وأضافت: "وقد صرح باستخدام اللقاح في عدة دول في اميركا اللاتينية ايضاً: بوليفيا، الارجنتين، المكسيك، فنزويلا، وفي أفريقيا أيضاً كالمغرب والكاميرون وفي آسيا، كالفيليبين وفييتنام، كما ويستخدم بالطبع على نطاق واسع داخل روسيا منذ شهر آب (أغسطس)، ويشارك حالياً 31 ألف شخص في التجارب ما بعد السريرية لهذا اللقاح، فضلا عن تجارب اخرى في المرحلة الثالثة في دول كالإمارات والهند وفنزويلا وبيلاروسيا".
وأوضحت لمع عن سبب عدم استخدامه على نطاق واسع في العالم، بأن " الداتا عن فعاليته على الارض لا تزال محدودة، بخلاف فايزر مثلا أو أوكسفورد، انما هذه الداتا لن تتأخر بالظهور مع انضمام دول عديدة الى صفوف مستخدمي اللقاح، خصوصاً وأن سعره المناسب للدول الأقل غنى".
وأشارت لمع إلى أنه "اذا صرحت وكالة الأدوية الأوروبية للقاح، سيكون اذا في الكفة نفسها مع اللقاحات الأخرى، وهذا ما سنعرفه في غضون أسابيع، وعلى كل الأحوال، فإن نتائج اللقاح ممتازة وشفافة، وتقنيته مشابهة للقاحات أخرى، ولا مانع من أخذه حيث توفر".