وليد جنبلاط ونبيه بري، وحدهما من بين السياسيين اللبنانيين الأكثر دراية بالشأن اللبناني وتشعباته ومنزلقاته، ويدركان بعميق التجربة أن لبنان بلد التسويات، محكوم دوما بتفاهمات الحد الأدنى شرطا لتأمين مسيرة الدولة، وكل منهما يواجه أحيانا عبء تحالفاته وعلاقاته مع سائر القوى السياسية بروية وطول أناة، فكلاهما عايش الحرب الأهلية وواكب تبعاتها الكارثية بعد أن سكتت المدافع ورفعت الحواجز بين المناطق اللبنانية المنكوبة.
إن كنت مع بري وجنبلاط أو ضدهما، فذلك لا يغير من حقيقة أن الشخصين قادران على تدوير الزوايا، والإنعطاف قليلا عند التحديات الخطيرة، منعا لتصدع البنيان اللبناني فوق رؤوس الجميع.
من هذه الرؤية يمكن أن نفهم ونتفهم مبادرة جنبلاط أمس ولقائه رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا، فضلا عن أن زيارته لم تأتِ مفاجئة، فقد مهد لها عبر حديث صحافي حين أشار إلى أنْ لا مانع لديه من لقاء عون، خصوصا وأن التطورات الأخيرة بدأت تهدد مسيرة السلم الأهلي، وثمة ضرورة لتقديم التنازلات.
ما بادر إليه جنبلاط بالأمس يستحق الإشادة، لكن لا آمال كبيرة في إمكانية إحداث فجوة في جدار الأزمة الحكومية، ويمكن لتصريح من أحد المحسوبين على العهد القوي أن يطيح بأي جهد مبذول في هذا الإتجاه.
باختصار مبادرة وليد بك أكثر ما تكون بمثابة موقف للتاريخ، على قاعدة "اللهم اشهد أنني بلغت"، وما عدا ذلك "فالج لا تعالج".