لطالما ردّدنا عبارة: "تعددت الأسباب والموت واحد"، ولكن هل فعلاً الموت واحد؟ لا يمكن أن يكون الموت الذي يخطف غير آبهٍ بشيء هو نفسه الذي يغيّب عاشقا للحياة. لا يمكن أن يكون الموت المفاجئ الذي لا يعطي الإنسان فرصة معرفة ما يحدث هو نفسه الموت البطيء الذي يمنح الإنسان فرصة إعادة شريط حياته على مهل. كلّا… الموت ليس واحدا. ليس واحدا لمن إنطفأت روحه. وليس واحدا للأهل والأصدقاء والزملاء.
كثيرون يموتون سنوياًّ بسبب الحوادث المرورية ولكن الذي يموت في سيارة فاخرة بسبب سرعة فائقة أوقدتها حالة "يوفوريا" لا يشبه الذي يموت في سيارته المرهونة للبنك بسبب جورة أو حفرة أو جسر غير آمن أو طرقات مظلمة. كلّا… الموت ليس واحدا.
كم من إنسان يموت سنوياًّ بسبب أخطاءٍ طبيّة؟ لكن هؤلاء يلاقون الموت في المستشفى ولا ينتظرونه على بابها. كلّا… الموت ليس واحدا.
لا يمكن إحصاء أعداد الجنود الذين يموتون سنوياًّ بسبب حروبٍ ضد العدو. لكن هؤلاء يموتون بقنابل العدو وليس بقنبلة نترات الأمونيوم المهملة من قبل الدولة منذ عام 2014 في المرفأ. كلّا… الموت ليس واحدا.
لذلك علينا الإعتراف بأن الموت في بلدٍ مثل لبنان لا يمكن مقارنته بالموت في البلاد المتقدمة. في لبنان الموتى هم شهداء نترات الأمونيوم المجهول المصير منذ سنين، هم أيضاً شهداء التيار الكهربائي المقطوع، وشهداء الطرقات المصدّعة، وشهداء المستشفيات الحكومية غير المجهزة، وشهداء الإضطرابات النفسية المزمنة، وشهداء المطامر والمحارق والمعامل. الموتى في لبنان هم بإختصار شهداء الإهمال.
أكتب هذه الأسطر من أجل صديقٍ إستشهد في إنفجار بيروت في 4 أب (أغسطس) 2020، قبل ثلاثة أيام من عيد ميلاده، أكتبها من أجلك يا جواد أجود شيا!