في زيارته الخامسة لمنطقة الشرق الأوسط، بعد زيارة مشتركة أولى للأردن وفلسطين ودولة العدو الصهيوني تبعتها زيارة لمصر والمغرب وكان آخرها للإمارات العربية المتحدة، وصل البابا فرانسيس اليوم الخامس من آذار (مارس) إلى بلد الرافدين والعاصمة بغداد في أول زيارة خارجية له منذ 15 شهرا، وهي أيضا أول زيارة بابوية للعراق على الإطلاق، ولمدة أربعة أيام منذ انتشار وباء كوفيد-19، ولمناطق في شمال البلاد وجنوبها، والزيارة متزامنة مع إجراءات أمنية مشددة وإغلاق تام بعد ارتفاع كبير في حالات تفشي كورونا (سجلت العراق 5 آلاف حالة)، يهدف من خلالها طمأنة المجتمع المسيحي في العراق، وتعزيز الحوار بين الأديان، وفي زيارة وصفها البابا بـ "حج السلام"، وتحمل شعار "جميعكم اخوة"، من المتوقع أن يلتقي خلالها كبار المسؤولين، منها زيارة تاريخية وللمرة الأولى بلقاء مع المرجع الشيعي علي السيستاني يوم السبت في مدينة النجف، وستشمل المحطة الثانية في زيارته مدينة أور التاريخية ومعلم "الزقورة" الأثري فيها، وإقامة قداس في بغداد فضلاً عن زيارة المدينة القديمة في الموصل ومدينة نينوى التي كانت تعتبر عاصمة المسيحيين في العراق ومدينة أربيل في إقليم كردستان العراق.
هذا وقد تلقى البابا فرنسيس قبل زيارته للعراق لقاح فايز بيونتيك بجرعتيه مع مرافقيه، ولكن ثمة تخوف من انتشار إضافي لحالات كورونا، حيث من المتوقع حضور ما لا يقل عن 10 آلاف شخص في محطات البابا المختلفة.
حفل الإستقبال وكلمة الحبر الأعظم
وكان في استقبال الحبر الأعظم والزعيم الروحي لـ 1,3 مليار مسيحي رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وكبار الشخصيات السياسية، وقد رسمت هوية العراق في استقباله بشكل عفوي حيث كان في استقبله التنوع العراقي الفريد في لوحة عراقية مميزة، ويرافق البابا وفدا كبير يضم مسؤولا أمنيا، ونحو 75 صحفيا.
وتوقف البابا فرنسيس في كلمته التي ألقاها بعيد وصوله الى العراق، عند معاناة الأيزيديين، الأقلية التي تعرضت خلال سيطرة تنظيم "داعش" على أجزاء واسعة من العراق للإضطهاد والسبي والإبادة، واصفا الهجمات التي تعرضت لها الأقلية الأيزيدية على يد تنظيم "داعش" في العراق بـ"الهمجية المتهورة وعديمة الإنسانية" قائلا: "لا يسعني إلا أن أذكر الأيزيديين، بالضحايا الأبرياء للهمجية المتهورة وعديمة الإنسانية" وأضاف: "لقد تعرضوا للاضطهاد والقتل بسبب انتمائهم الديني، وتعرضت هويتهم وبقاؤهم نفسه للخطر"، داعيا في مستهل كلمته الى "وقف العنف والتطرف والتحزب وعدم التسامح".
وأعرب البابا في كلمته بعد استقباله من قبل الرئيس برهم صالح في القصر الرئاسي في بغداد عن امتنانه "لإتاحة الفرصة لي لأن أقوم بهذه الزيارة الرسولية، التي طال انتظارها، أنا ممتن لأنني استطعت أن آتي إلى هذه الأرض، مهد الحضارة، والمرتبطة ارتباطا وثيقا، عبر أبينا ابراهيم والعديد من الأنبياء، بتاريخ الخلاص والتقاليد الدينية الكبرى"، وأضاف: "كفى عنفا وتطرفا وتحزبات وعدم تسامح! فلنعط المجال لكل المواطنين الذين يريدون أن يبنوا معا هذا البلد، في الحوار، وفي مواجهة صريحة وصادقة وبناءة"، داعيا إلى "التصدي لآفة الفساد، وسوء استعمال السلطة وكل ما هو غير شرعي".
محطات حج السلام
ستمتد رحلته ومحطاتها على مسافة تقدر بـ 1400 كيلومترا، يستخدم خلالها البابا عربة مصفحة وطائرة مروحية (هيليوكبتر)، وكانت أول محطة له زيارة الحبر الأعظم زيارة كاتدرائية سيدة النجاة للسريان الكاثوليك وهي أكبر كنائس العاصمة بغداد، والتي تم استهدافها باعتداء تنظيم القاعدة الارهابي في العام 2010 تخلله احتجاز رهائن انتهت بمقتل 53 شخصا، وتوجه إلى المسيحيين والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات والاكليريكيين ومعلمي التعليم المسيحي الحاضرين قائلا: "نجتمع اليوم في كاتدرائية سيدة النجاة هذه، ونتبارك فيها بدماء إخوتنا وأخواتنا الذين دفعوا هنا ثمن أمانتهم للرب غاليا"، كما سيزور مقاطعة نينوى، حيث أجبر تنظيم القاعدة الإرهابي الأقلية المسيحية إما الهرب أو التحول إلى الإسلام أو قطع رؤوسهم، وقد هرب أكثر من 100 ألف مسيحي منهم، ليعود 36 ألفا منهم.
وفي يومه الثاني، وفي المحطة الأولى لهذا اليوم يلتقي بالمرجعية الشيعية العراقية آية الله السيد علي الحسيني السيستاني، ذات المكانة الروحية العالية لدى المسلمين الشيعة في العراق والعالم، وهي المرة الأولى التي يتم فيها لقاء على هذا المستوى بعدها يغادر بالطائرة إلى مدينة "أور" ومعبد "الزقورة" الأثري، حيث ستقام صلاة ستضم رجال دين شيعة وسنة وأيزيديين وصابئة، وذكرت مصادر إعلامية أن معلم "الزقورة" التاريخي الذي بني في العام 2050 قبل الميلاد من قبل الملك أورنمو الذي ينتمي لسلالة أور الثالثة وهي من الحضارات السومرية القديمة، وكان مخصصا لعبادة آلهة القمر "نانا"، ويبعد عن مدينة الناصرية في محافظة ذي قار 40 كيلومترا، حيث سيضاء للمرة الأولى منذ أكثر من 4500 عام، وقال مدير المفتشية طاهر كوين، إنه "تم العمل على تأهيل البنية التحتية في مدينة أور الأثرية بما في ذلك الطرق، والتيار الكهربائي وشبكات الاتصال والممرات الداخلية للمدينة في سبيل إنجاح زيارة قداسة بابا الفاتيكان لمدينة أور الاثرية في محافظة ذي قار"، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء العراقية، حيث سيتم القداس والخطاب المرافق وفقا لكوين داخل المدينة، وقرب بيت النبي إبراهيم.
ويعتبر معبد "الزقورة" من أقدم المعابد في العراق ووفقا للباحث والأثري ومدير متحف الناصرية الحضاري عامر عبد الرزاق فهو أقدم بناء مدرج في العالم أقدم من الأهرامات المصرية وأهرامات بيرو والأنكا في المكسيك، وظهر السكن فيها منذ أكثر من أربعة آلاف عام قبل الميلاد، وقد تم اكتشافه في العام 1850 وتم اكتشاف بقايا المعبد في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.
ويغادر البابا مدينة أور وسيعود بعد ذلك إلى بغداد حيث سيحتفل الساعة السادسة مساءً بالقداس الإلهي في كاتدرائية القديس يوسف الكلدانية.
أما يوم الأحد 7 آذار (مارس) فمن المقرر أن يتوجه قداسة البابا، إلى مطار أربيل الدولي عاصمة إقليم كردستان العراق المتمتع بالحكم الذاتي ، حيث يستقبله رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني ورئيس وزراء منطقة الحكم الذاتي مسرور بارزاني وشخصيات دينية روحية وحكومية، قبل مغادرته بطائرة مروحية (هليكوبتر) لزيارة الموصل لإقامة الصلاة عن راحة نفس ضحايا الحروب في "ساحة الكنيسة" وسميت بـ"حوش البياع" في الموصل القديمة، وهي الكنيسة التي قام تنظيم القاعدة بتدميرها ونهبها، إبان احتلالهم للموصل، وعلى الرغم من ترميمها واعدادها لزيارة البابا، لا زالت آثار الدمار بادية عليها، بعدها سيغادر بالهليكوبتر إلى بلدة قره قوش، وبالتحديد كنيسة الطاهرة الكبرى "الحبل بلا دنس"، ليؤدي صلاة التبشير الملائكي وهي من أقدم المناطق المسيحية وأعرقها في الشرق.
ويواصل فرنسيس رحلته يوم الأحد في محافظة نينوى (شمال العراق) مهد المسيحيين العراقيين. وبعد ذلك سيتوجه إلى الموصل وقرقوش ، وهما مدينتان اتسمتا بتدمير المتطرفين الإسلاميين. وبعد ذلك سيعود الى اربيل حيث سيحتفل الساعة الرابعة مساء بالقداس على ملعب "فرانسوا الحريري"، ويعد أكبر فعالية سيحييها البابا خلال زيارته لبلاد الرافدين، من المتوقع حضور 10 آلاف شخص لحضوره، وسيعود البابا بعد ذلك إلى بغداد حيث من المقرر أن يصل الساعة 7:15 مساءً.
وأخيراً ، يغادر البابا فرانسيس، يوم الاثنين، مطار بغداد الدولي في الساعة 9:40 صباحاً ، بعد مراسم وداع قصيرة، ومن المتوقع أن يصل إلى مطار شامبينو في روما الساعة 12:55 مساء.