البروفسور داني عازار: حذر من المقالع والكسارات التي تدمر ثروة العنبر التي لا تقدر بثمن!
ليس الناشط البيئي ورئيس لجنة كفرحزير البيئية والمزارع والمواطن اللبناني جورج عيناتي، شخصا عاديا بل مواطنا بيئيا يقاتل وبشراسة، وفي كافة الميادين للذود عن أرض ومياه وهواء الكورة، وقراها المفجوعة بيئيا واقتصاديا واجتماعيا، يتابع معامل الإسمنت بالإخبار خلف الإخبار وتعدياتها التي استباحت قرى الكورة، ولا يمكن أن ننسى ما يقوم به في مجال تشجيع الزراعة بتأليف اللجان الزراعية، وممارستها بصورة شخصية، لا بل قام بزراعة غابة صنوبر وصل عدد أشجارها حوالي 2800 شجرة، إلا أن ما لفت انتباهنا صورة "معبرة" شارك بها على صفحته الخاصة على موقع "فيسبوك" لبساتين مزروعة بالقمح، إلا أن التعليق بأن هذه الأراضي الخضراء مزروعة على مخلفات معامل الإسمنت السامة جاء صادما، بأنها وسيلة لإخفاء هذه المعامل جريمتها في قرى بدبهون وكفرحزير في منطقة الكورة، ما يؤكد استمرار هذه المعامل، وصناعتها الملوّثة والتي تعتبر الأكثر تلويثا في العالم، بالتمادي في مجال استباحة لبنان بالتلوث، فبعد أن لوّثت الهواء والمياه ومنها الجوفية، بدأت بتلويث التربة، وليس ذلك فحسب، بل لقمة الخبز التي يأكلها المواطن.
وقال عيناتي لموقع "زوايا ميديا"، "هذه الخطوة بزراعة القمح ليست إلا وسيلة لتبييض صفحة إجرامها، أو ما يمكن وصفه بمساحيق تجميل لإخفاء عيوبها، ليصح فيها المثل الشائع "من برة هالله هالله ومن جوة يعلم الله"، وأضاف: "أصيب شجر الزيتون بكافة الأمراض مثل عين الطاووس، وبالأضرار في الإنتاج والنوعية نتيجة الأمطار الحمضية الناتجة عن تلويث الهواء والمياه والتربة أيضا، وليس ذلك فحسب، بل اقتلاع آلاف الأمتار من الأشجار والتي قدرت بأكثر من 6 ملايين شجرة منها مليون وربع شجرة زيتون، وقضت المعامل على زراعة التين واللوز والعنب في الكورة، وثروة هائلة من النباتات الطبية والعطرية، والمناطق والمناظر الطبيعية في المنطقة، حيث أزالوا جبال بكاملها، ومن ضمنها القمم التاريخية للجبال، الممنوع بالقانون الإقتراب منها أو استخدامها بهدف إقامة مقالع وكسارات هذه المعامل واستمرارها في قضم خيرات المنطقة".
وفي هذا المجال، لا بد من التذكير بما أشار إليه البروفسور في علم المستحثات والعنبر والحشرات داني عازار لموقعنا "زوايا ميديا"، بأن "لبنان يعتبر من أغنى البلاد بالعنبر المحتوي على كائنات حية، ويجب اعتباره متنزها جيولوجيا Geo Park، لغناه بهذا الكنز العلمي الذي لا يقدر بثمن، وحذر عازار في دراسته الأخيرة من استباحة المقالع والكسارات لمواقع العنبر الموثقة في أكثر من 25 منطقة في لبنان حتى الآن، ومنها مناطق الكورة، وقد وثق في هذه الدراسة اكتشاف 4 أنواع جديدة من الحشرات في عينات من العنبر في بلدة مشمش العكارية، منها نوعين من الحشرات الطائرة، أحد هذه الحشرات قسمت نصفين، نتيجة تعرض العنبر لحريق ما قبل التاريخ، يستدل عليه من بقايا السخام الذي وجد في محيط العينات، فضلا عن نوع من الصراصير ونوع من الدبابير، ولا زال يتابع دراستها ليتم توثيقها باسم علمي، وربما قد ينضم إلى حوالي 25 حشرة جديدة سميت تكريما له باسمه، والتي يؤكد عازار أن ما نشهده من كائنات في العالم هي أنواع مشتقة من هذه الحشرات ما قبل التاريخ، إذ أن عمر النوع لا يتجاوز مليوني عام.
إلا أن هذه المقالع والكسارات تستمر بعملها، مخرّبة مستحثات عملت الطبيعة على تكوينها على مدى ملايين السنين، مقابل ماذا؟ حفنة من الدولارات، توزعها هذه المعامل على من يحميها ويتعاضد معها ويدعمها من سياسيين وتابعين، وليس ذلك فحسب، بل إنها تكلف المواطن ثلاثة أضعاف السعر عما هو بالخارج، وبالعودة إلى عيناتي، فقد طالب أولا بتغريم هذه المعامل ضرائب مستحقة عليها تقدر بملايين الدولارات بسبب استخدامها التجاري للأراضي، فضلا عن السماح باستيراد الإسمنت من الخارج لوقف احتكار هذه المعامل وتحكمها بالمواطن اللبناني، وهو ما يسجل لوزير الصناعة عماد حب الله بسماحه بالإستيراد ولمرتين، لكنه عاد وتراجع خطوة إلى الوراء، بعد أن أذعنت هذه المعامل بالتقيد بالسعر الرسمي الذي أقرته الوزارة، علما أن سعر الإسمنت في مصر على سبيل المثال هو الأدنى في العالم وحتى تاريخه، لوجود أزمة في تصريف الإنتاج الفائض، .
وبالعودة إلى عيناتي الذي يؤكد أن "الكلفة البيئية لعمل هذه المعامل تظل باهظة، لا بل لا يمكن عكس نتائجها، مع ما تستخدمه هذه المعامل من الزيت المحروق والكلينكر وقضم الجبال والوديان وقلع الأشجار وتخريب النظم البيئية والقضاء على التنوع البيولوجي وتلويث المياه الجوفية والهواء والآن لقمة المواطن بين آثار مدمرة أخرى لهذا الإرهاب البيئي المزمن"، مقترحا استيرادها للكلينكر من الصحراء في دول مثل مصر وهو معفى من الرسوم بموجب اتفاقية التيسير العربية، ولكنه على الرغم من ذلك يجد أن هذه الخطوة "أكثر كلفة ماديا" على الشركات من جلبها محليا، وما يرافقها من قتل أهل الكورة بسموم هذه المعامل، فضلا عن استيراد المواد الأولية الأخرى مثل التراب الأحمر أو ما يسمى بـ "الحرزمان" وهو يحتوي على مادة الحديد، أو جلبه من مناطق بعيدة مثل عكار، وبدلا من الحصول عليه من قرى كفرحزير ودبهون وشكا في الكورة".
وللحديث تتمة، كون هذا الملف الشائك يتسع لمجلدات في مجال التعديات البيئية التي تقوم بها هذه المعامل، فضلا عن احتكارها لهذه الصناعة، ودفعها لمنع استيراد الإسمنت من الخارج.