يتساءل جميع اللبنانيون "ماذا حدث فعليا مع عملتنا الوطنية، وما الذي اوصل بنا إلى هذه الحالة الاقتصادية المتردية، وما هو السيناريو المطروح للمرحلة المقبلة"؟
كل شي وارد، ولا سقف يمكن تحديده مسبقا لما قد يبلغه سعر الصرف. فطالما "اللعبة" متروكة لقوى السوق المتحكمة والتي تمتلك القدرة على المضاربة، سيبقى سعر الليرة خاضع لمصالح هذه القوى وإمكانياتها.
لقد بدأ انهيار سعر الصرف اعتبارا من أيلول (سبتمبر) 2019، وتزامن ذلك مع سلسلة انهيارات اقتصادية ومالية ومصرفية واجتماعية، وعندما نقول أن الانهيار وقع، لا يعني ذلك أن الزمن تجمّد عند لحظة الانهيار، وبالتالي لا يمكن التفكير أن الوضع المنهار سيبقى على ما هو عليه، بل أن للإنهيار حركته، وكلما مر يوم اتسعت الهوة وتعمّق الإنهيار، ولا سيما ان "السلطة" لا تفعل شيئا من أي نوع لإدارة هذا الإنهيار والتعامل معه. فلم تتخذ إجراءات الكابيتال كونترول، ولا اجراءات نظامية للسحب من المصارف، ولم توضع خطط جدية لإعادة هيكلة الجهاز المصرفي، ولم يجر التدقيق الجنائي، ولا التدقيق المحاسبي في البنك المركزي، ولم توضع خطة للنهوض بالإقتصاد ولا للحماية الإجتماعية في ظل جائحة كوفيد 19 فحسب، لا بل تعثر النشاط الاقتصادي مع ضمور التدفقات النقدية.... بمعنى واضح، لم يحصل أي شيء لوقف مسار الإنهيار المتواصل.
أحد أوجه الصراع الجاري اليوم يتمثّل بالتزاحم على الاستئثار بما هو متاح من دولارات في الداخل، وكلما اتخذت مصالح فئة مستوى الأولوية بالنسبة لصناع القرار، ستدفع الفئات الأخرى الثمن. الأكيد حتى الآن، أننا لا نعرف ما بقي من دولارات قابلة للاستخدام من أجل تمويل استيراد الحاجات الملحة (وقود، دواء، مستلزمات طبية، اغذية، مواد خام وسلع وسيطة للصناعة والزراعة.... الخ)، ولكننا نعلم أن الدولارات المتبقية يجري استنزافها من دون أفق، وهذا يعني ان المخاطر ترتفع كل لحظة من دون أن نواجهها، وإنما نتركها تتحكم بنا وتزيد بؤسنا.
هذا ينطوي على إعادة هندسة اجتماعية طويلة عريضة، وليس لديهم أي فكرة كيف يتعاملون معها سوى التمسك بأسطورة أن الظروف والعوامل والجيوسياسة لا تزال تسمح بالرهان على إنقاذ خارجي، وتوجيه لعودة تدفقات الدولار إلى لبنان. كل يوم يمر في انتظار تحقق هذا الرهان يؤدي تلقائيا إلى استنزاف ما تبقى من قدرات حتى الإضمحلال، وهذه اللحظة (الإضمحلال) تقترب بسرعة، وسنشهد فيها انخفاضات متتالية لسعر الليرة وارتفاعات أكبر لأسعار الاستهلاك، وتدهور أشد في القدرة الشرائية للأجور بالليرة اللبنانية، وهذا قد ينسحب بسرعة على الخدمات الصحية والتعليم والنقل.
التعامل مع الإنهيار هو سياسي بالدرجة الاولى: بمعنى ما هي السياسات التي سيتم تنفيذها لمعالجة النتائج وتوزيع الخسائر والأكلاف والحصول على التمويل وتنفيذ خطط عامة وقطاعية... وعلى رأس الاولويات التي يجب مناقشتها والتوافق عليها: ما هو نظام سعر الصرف الذي سنعتمده بعد انهيار نظام سعر الصرف الثابت؟ كيف سنوحد سعر الصرف بعدما بات هناك 4 اسعار صرف رسمية وشبه رسمية:
- سعر الصرف الثابت 1500 ليرة
- سعر المنصة 3900 ليرة
- سعر قرض البنك الدولي 6250 ليرة
- سعر السوق والتداول 9300 ليرة.
توحيد سعر الصرف هو المسألة الأكثر الحاحا، ولكن ذلك لا يحصل لوحده، بل في إطار سياسات متكاملة، فاين هي؟
والجدير بالذكر أن القضاء المسيس والخاضع للقرار السياسي يلاحق في الفترة الأخيرة الصرافين المرخصين من قبل الدولة، وبما يخص موضوع التلاعب بسعر الدولار، في حين أننا نحن وهم والصرافين والدولة على علم بأن هذا التلاعب يحصل خارج النظام المصرفي والمؤسسات المالية المرخصة، وبالتالي يعلمون من هو المسؤول عن مافيا السوق السوداء، ولكنهم لا يحركون ساكنا، بل يتلطون بملاحقة الصرافين المرخصين قانونا الخاضعين لتدقيق الحسابات المالية من مصرف لبنان، وبالتالي هذه الدولة تقوم بتجيير قطاع الصيرفة للأشباح للقضاء عليه، وكما فعلت مع قطاع السياحة والخدمات.