هل على من يحاول التصدي لمواجهة الفساد المتفشي في أوصال الدولة ومؤسساتها العامة والتربوية وغيرها، أن توجه إليه أصابع الإتهام، وأن تطاوله استداعاءات وشكاوى، خصوصا وأن هذا الأمر بات مألوفا، ومنذ انطلاق ثورة 17 تشرين أخذت وتيرة هذه الإستدعاءات تزداد، وفي المقابل، فإن حملات التأييد لمن تجرأ وواجه، أصبحت بالتزامن مألوفة، لناشطين ومحامين وحقوقيين نذروا أنفسهم للدفاع عن هؤلاء المتهمين الذين هدفهم استعادة الوطن والمال المنهوب واجتثاث الفساد ومن أصوله.
وفي هذا المجال، انطلقت حملات تضامن واسعة بين ناشطين وحقوقيين في لبنان، وسط دعوات الى الوقوف وقفة تضامنية تنديدا بما وصفه بعض الناشطين بقمع حرية التعبير وذلك بعد أن تم استدعاء الناشط والإعلامي الاستاذ في العلوم السياسية والعلاقات العامة الدكتور رائد المصري، ومدير مركز"سيتا" للدراسات الدكتور علوان أمين الدين، إلى مركز المباحث الجنائية المركزي في قصر العدل، بعدما ادعى عليه رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور فؤاد أيوب، على خلفية مقال نشر في موقع "سيتا للدراسات"، ويتعلق باستقالة وزير التربية الدكتور طارق المجذوب، وتحميل أيوب مسؤولية الاستقالة، وذلك للمثول أمامها يوم الإثنين الواقع في 3/8/2020.
وأتى الإستدعاء على خلفية مقال في موقع "سيتا" نشره المصري متهما أيوب بملفات فساد وهدر للمال العام، واعدا بالكشف عنها، مشيرا إلى أن استقالة وزير التربية والتعليم العالي القاضي طارق المجذوب بسبب "يأسه من الفبركات والإشاعات ضده وضد زوجته، كما يبدو أيضاً أنه أخطأ حين فتح ملفات الفساد دفعة واحدة. من هنا، تقدم بإستقالته لرئيس الجمهورية التي رفضها"، ووفقا للمقال المذكور : "فقد حقَق وكشف وفتح الوزير المجذوب، كما تشير أوساطه، ملفات كانت من المحرمات في عهد أسلافه من الوزراء، ودخل إلى قضايا مادية، وهدر لصفقات بالمليارات،… والمثل الساطع جاء من الجامعة اللبنانية. فحين أراد تطبيق القانون وتغيير العمداء، على قاعدة الكفاءة والعلم والمناقبية، تكاتف عليه وضده السماسرة والتجار والمافيات بإيعاز من رئيس الجامعة، الدكتور فؤاد أيوب، فأخذوا يعرقلون التغيير وفق الأصول، التي يعتبروها من وجهة نظرهم قانونية، لكي تستمر تجاوزاتهم ولكي يبقى رئيس الجامعة، بعد إنتهاء ولايته، متربعاً على عرشها بالتكليف".
وفي هذا المجال كما أضاف المصري في المقال على أمثلة من هذه الملفات: " ملف التفرغ في ملاك الجامعة اللبنانية جاء ليفضح الفساد، حيث أرسل رئيسها ملفاً (ملغوماً) لوزارة التربية لم تراع فيه الإختصاصات المطلوبة وشروطاً أخرى، فراح يدعي أن الملف مدروس في العمادات في حين أنه (مفخخ) بالأسماء، إذ أن مجلس الجامعة نفسه قد رفضه مرات قبل أن يصادر الدكتور أيوب صلاحياته".
وفي إطار متصل، وفي موقف لسيد بكركي البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حيث دعا في عظته اليوم الأحد إلى اختيار "أنه بات ملحا، أن تنظر الحكومة والمجلس النيابي في أمور الجامعة اللبنانية، فتختار لها أفضل رئاسة ومجلسا"!
ختاما، وهو الأمر الأدهى، فالفساد والهدر والتلوث بأنواعها جميعا موجودة وباعتراف الجميع، حيث عندما تفتح الملفات، تغلق بسرعة و"تلفلف" وبحرفية ودهاء منقطعي النظير، والأمثلة كثيرة ولا تعد ولا تحصى، فمن ملف الفيول والمازوت، إلى ملف التلاعب بالنقد، إلى النصب الإحتيالي على اموال المودعين ، إلى ملف الأغذية الفاسدة، إلى توظيف شخص غير مؤهل في مختبر لمستشفى حكومي، والتلاعب بأعصاب وصحة الناس، وصولا إلى هذه القضية المتعلقة بالجامعة اللبنانية، وغيرها كثير ولا نشهد الا مواقف مناهضة وتغريدات نارية، لمجابهة ومواجهة الفساد والهدر، ولكن كما قيل، أسمع جلبة ولا أرى عملا منتجا، أو "أسمع جعجعة ولا أرى طِحنا"، وليس هذا المثل يقصد به شخص واحد من الطبقة السياسية، بل كما يتوارد في مجموعات الثورة جميعا #كلن_يعني_كلن، وحتى يثبت سياسي واحد من الطبقة الحاكمة عكس ذلك، وأنه صادق حقا، بتقديم "مرتكب" أو حتى متهم للعدالة، وبالمقابل يساق ناشطون تباعا!