info@zawayamedia.com
صحة

كورونا وحرب اللقاحات... بين العلاج والتجارب!

كورونا وحرب اللقاحات... بين العلاج والتجارب!



يعيش العالم في حالة حرب حقيقية، مع جائحة كورونا، فهل من الجائز أن تظل البشرية أسيرة للشركات المصنعة للقاحات!؟ وهل يجوز أن تحتكر اللقاح الشركة التي توصلت اليه فقط؟! وأن يظل التعامل معه كأنه سلعة كأي سلعة أخرى، كالسيارات مثلاً؟! فينتظر العالم حتى تنتج هذه الشركة أو تلك الكميات المطلوبة من هذا اللقاح أو ذاك فيما الناس تموت كل يوم بالآلاف، والحكومات تتفرج فيما تكتفي بتسجيل الإصابات وتعداد المتوفين في كل يوم.  أو في أحسن الأحوال تقوم بعض الدول بتقديم المساعدة المادية وغيرها للشركات الصغيرة والعاطلين عن العمل الذين صاروا بالملايين، (في أوروبا وأميركا...)، فيما المطلوب الأساسي منها أن تقوم بدور فاعل في سبيل معالجة أساس المشكلة وليس العوارض.


 هذا فيما تتبلد أحاسيس الناس وتصبح ارقام الموتى، الذين يسقطون كل يوم كأنه أمر عادي ولا يخص الاًٰ أصحابه وذوي المتوفين. وقد بات معدل الوفيات اليومي في المانيا لوحدها، على سبيل المثال، يتراوح عند عتبة الألف حالة يوميًا.


وفي اميركا تجاوز عدد ضحايا كورونا، (400 ألف حالة وفاة)، ما سقط في الحرب العالمية الثانية، هذا فيما لم يتغير شيئ على صعيد اللقاحات. بل على العكس فقد أعلن اليوم، عن تأخر وصول الدفعة الثانية من هذه اللقاحات أسبوعًا كاملا عن الموعد الذي أُتفق عليه مع شركة بيوتنيك وفايزر. والسبب المعلن من قبل الشركة هو اخضاعها معملها في بلجيكا لتحسينات من شأنها أن تزيد إنتاجية هذا المعمل.


انها فضيحة للإنسانية وللحضارة البشرية وقيمها ولكل التكنولوجيا التي تتغنى بها المانيا والعالم الغربي عموماً، ألا تفتح مصانع الإدوية الكبرى فيها للعمل فقط على انتاج اللقاحات، كما يحدث في الحروب والحالات الإستثنائية الطارئة، كالتي ترزح تحتها البشرية منذ أكثر من عام. نعم البشرية في حالة حرب مع هذا الوباء، الذي يحصد كل يوم الآف الأرواح، وعليه تسقط كل المعايير التجارية وحقوق الملكية الفكرية.


كما أنّ هذه الشركات المنتجة للقاحات قد استفادت من هذا الوضع الطارئ ومُنحت الموافقة أيضًا الطارئة على انتاج لقاحاتها، بسرعات خيالية، فيما يحتاج هكذا تصريح، في الظروف العادية، لعدة سنوات من التجارب والفحص والمراقبة قبل أن يخرج الى الإستعمال على الإنسان. كذلك اشترطت هذه الشركات على الحكومات سن تشريعات خاصة تُعفي هذه الشركات من تحمل المسؤولية ومن خطر الملاحقة القانونية في حال بروز حالات وفاة أو أعراض جانبية خطيرة.


إضافة الى ما يعنيه هذا الإستعجال الطارئ، في جعل الناس وخاصة كبار السن والطواقم الطبية للخطر المباشر، عبر تحولهم مع المجتمع كله في أوقات لاحقة الى حقل تجارب لهذه الشركات، وهذه فرصة لم تكن لتتوفر لأي من هذه الشركات في أي وقت من الأوقات. حيث أنه سيكون بمقدور هذه الشركات ملاحقة ومعرفة بيانات الملقحين ومتابعة الحالات، الأمر الذي يتيح لها تحسين نوعية لقاحاتها، ومعرفة نقاط ضعفها.  كل ذلك يحدث باسم الحاجة الطارئة وخطر الفيروس الداهم القاتل، وما خلفه من ضحايا ومن شلل للحياة وللإقتصاد.


وعليه يترتب أنّ هذه اللقاحات ليست حكراً على الشركات المنتجة لها فقط، وإنما هي نتيجة توفر كل هذه الظروف والعوامل المساعدة، والحالة الطارئة التي فرضتها الجائحة على البشرية جمعاء. إذن الكل شركاء في هذه اللقاحات وعلى الدول أن تسن تشريعات صارمة وملزمة لهذه الشركات، نحو تسريع وتفعيل الإنتاج وتحسين الفعالية عبر التعاون بين كل القدرات الطبية والتكنولوجية المتوفرة المتاحة، تماماً كما في حالات الحرب.


ولا ضير في ذلك أن تُمنح نسبة معينة للشركات التي توصلت الى هذه اللقاحات من جراء الإنتاج المشترك لهذه اللقاحات الذي ستقوم به مصانع الأدوية الأخرى كمعمل "بابير"، الشهير في المانيا وغيره.


إذ أنه من غير المعقول أن تظل البشرية تنتظر حتى تطور هذه الشركة (بيوتنيك)، على سبيل المثال معامل أكبر لكي تستطيع أن تلبي الطلبات المتزايدة على اللقاح، حيث فاحت روائح العمليات غير البريئة التي أدت الى حصول هذه الدول أو تلك على كميات كبيرة من اللقاحات فيما الدول الأخرى لا تزال تنتظر (اميركا، إسرائيل، الإمارات..)، فيما لا تصدر بيانات شفافة توضح آلية وماهية المعايير التي يتم على أساسها توزيع هذه اللقاحات، وهل أنّ ذلك يخضع لحسابات تجارية أو غيرها؟! (مَن يدفع أولاً أو أكثر مثلًا؟!). لا بد أن تُسن تشريعات تُخرج مسألة اللقاحات وكل ما يتعلق بها من أدوية ممكنة، من دائرة البازار التجاري وألا تبقى تحت رحمة وشجع الشركات الخاصة!


لقد آن الأوان أن تستيقظ الدول الغنية التي تهدررالمليارات على الألعاب الرياضية، والأبراج والجسور والسيارات الفارهة، والحاجات الإستهلاكية، فيما تشح الخزينة وتجف عندنا يتعلق الأمر بحياة الإنسان وصحته وأمنه الأجتماعي! على الدول الغنية أن تفرض على القطاع الخاص العمل بأقصى طاقاته من أجل مواجهة هذه الجائحة والتغلب عليها! كما عليها أن تؤمن هذه اللقاحات للدول الفقيرة، لأنه لا نجاة من المركب الواحد، لشعب أو دولة دون أن يشتمل هذا كل البشر على هذا الكوكب.


ناجي طاهر

ناجي طاهر

كاتب وصحافي