وردت كلمة دولة 34 مرة في البيان الوزاري الذي تم إقراره من قبل حكومة نواف سلام مؤخرا، بالمقابل لم تظهر كلمة مقاومة التي استمرت في البيانات الوزارية السابقة لمدة 25 عاما، في إشارة إلى حصر السلاح والدفاع عن لبنان بيد الدولة، أو كما ذكر في البيان، قرار السلم والحرب بيدها، ولقبت هذه الحكومة بحكومة "الإصلاح والإنقاذ" الذي أكدت عليه في مقدمة البيان الوزاري، ومن جهتنا كمواطنين، نتمنى أن تكون مدرجات هذا البيان فعالة وعلى الأرض، وأهمها معاقبة كل مرتكب من كافة القطاعات ومهما صغر أو كبر ذنبه، أو مرجعه الديني والمذهبي والطائفي والسياسي، ودون هوادة، وبكل بند وكلمة وما بين السطور وحرف فيه، ونقطة على السطر فالعبرة بالتنفيذ!
ومن مدخل تحصين سيادة الدولة، بقواها الذاتية أي عبر نشر الجيش اللبناني وتسليحه وتدريبه وتزويده بالعديد والعتاد، وكذلك تجهيز وتدريب قوى الأمن الداخلي للحفاظ على السلم الداخلي، وأن تملك قرار السلم والحرب، وبأن تتحمل بالكامل مسؤولية أمن البلاد، وضبط الحدود البرية والبحرية والجوية، وتنفيذ القرارات الدولية 1701 واتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل والموقعة في 23 آذار/مارس 1949، واتفاقية وقف اطلاق النار في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وكذلك تنفيذ اتفاق الطائف بكل بنوده، (حيث اشتمل هذا البيان 80 بالمئة منه، و20 بالمئة من خطاب قسم الرئيس جوزاف عون)، والعمل على تنفيذ تعهد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بحق الدولة باحتكار السلاح، ما يشير إلى إنهاء وجود سلاح غير شرعي في لبنان، وهو سلاح حزب الله من ضمنها.
ودعا البيان إلى "حيادية الدولة في التنافس السياسي، وإجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية والنيابية في مواعيدها الدستورية، وإقرار القوانين الجديدة وتفعيل كثير منها وتطويرها، وإلى فعالية الدولة بمؤسساتها وإداراتها وهيئاتها الناظمة، وملء الشواغر بالكفاءات النزيهة من الجنسين، وترسيخ استقلال القضاء المالي والإداري والعدلي، ومتابعة التحقيق في ملف إنفجار مرفأ بيروت".
ومن البنود الهامة، تعزيز إيراردات الدولة عبر سیاسة رشیدة لتعزیز الإیرادات تؤمن الاستقرار المالي عبر تفعیل الجبایة والإصلاح الضریبي والجمركي ومكافحة التهريب، كما ستحظى الودائع بالأولویة من حیث الاھتمام من خلال وضع خطة متكاملة، وفق أفضل المعاییر الدولیة، للحفاظ على حقوق المودعین، ورفع نسبة النمو الإقتصادي عبر استعادة ثقة المستثمرين من الخارج، وتحفيز إشراك القطاع الخاص والشباب وتحسين جودة الصناعات المحلية وزيادة المساحات المزروعة بزراعات تفاضلية، وتحسين قطاع الإتصالات وقطاع النقل ولا سيما تشغيل مطار رينيه معوض في القليعات وتوسعة وتطویر مطار رفیق الحریري الدولي والتطبیق الصارم للقوانين المتعلقة بالأملاك البحریة.
وتطرق البيان إلى قطاع الكهرباء وإصلاحه واستئناف التنقيب عن النفظ والغاز، وقطاع التربية والتعليم عبر تعزيز التعليم الرسمي وخصوصا في الجامعة اللبنانية، وإلى إطلاق برامج مستدامة لتمكین النساء و ًحریصة ً وتعزیز دورھن في مختلف نواحي الحیاة العامة والخاصة وازالة جمیع انواع التمییز ضدهن والاستجابة لاحتیاجات الشابات والشبان، وإلى زیادة الانفاق الاجتماعي وانشاء نظام حمایة اجتماعیة شامل، وتعزيز قدرات القطاع الصحي وتأمين التغطية الصحية لجميع المواطنين وكذلك اصلاحات تطاول نظام الضمان الإجتماعي، وتطرق إلى ذوي الإحتياجات الخاصة وضرورة إيلاءهم الإهتمام ودمجهم في الحكومة والبرامج الرسمية.
وكذلك تناول البيان البيئة في لبنان، وخصوصا التشديد على التعافي البيئي في ظل مخاطر التغير المناخي والتأهيل البيئي في كافة المناطق وخصوصا التي تعرضت للعدوان الإسرائيلي.
وتضمن البيان الحرص على الحريات العامة التي وردت في الدستور، وسياسة خارجية تساهم باستعادة لبنان حضوره العربي والدولي، مع الحرص على عدم استعمال لبنان منصة للتھجم على الدول العربیة الشقیقة والدول الصدیقة، وعلى حوار جاد مع الشقيقة سوريا يضمن سیادة كل من البلدین واستقلالھما وضبط الحدود من الجھتین وعدم التدخل في الشؤون الداخلیة لأي من البلدین والعمل على حل قضیة النازحین السوریین، ورفض توطین الفلسطینیین وفق مبادرة السلام العربیة التي اعتمدتھا قمة بیروت عام 2002، وحق الدولة اللبنانیة في ممارسة كامل سلطتھا على الأراضي اللبنانیة كافة، ومن ضمنھا المخیمات الفلسطینیة، بظل الحفاظ على كرامة الفلسطینیین المقیمین في لبنان وحقوقھم الإنسانیة.
وقد تكون مقتطفات هذا البيان عصية على التنفيذ بدون قرارات حقيقية على الأرض، ولا تكفي الكلمات الرمزية لإعلان التزام الحكومة بسيادة الدولة على كافة القطاعات وهو الأمر الأساسي الذي ركز عليه البيان، لا سيما دون أن تترجم هذه البنود إلى خطوات فعالة وملموسة، وكنا نتمنى أن يتم الإسهاب في بعض النقاط وخصوصا الناحية البيئية وهي الضحية الأكبر في هذا العدوان الشرس فضلا عن العنصر البشري المتعلق بالحرائق المفتعلة والمتاجرة بالحياة البرية وملف الصيد البري والجائر والتلويث الصناعي والزراعي والمتعلق بالصرف الصحي في الأنهر والمسطحات المائية وغيرها، والتي تستلزم أن تتمتع وزارة البيئة فيها بصلاحيات تنفيذية أكبر، بحيث تتمكن ليس هذه الوزارة بعينها فحسب، بل سائر الوزارات من المحاسبة وبعقوبات رادعة لكل مرتكب، وتطبيق مبدأ الملوث يدفع، ولكن في هذه الحالة يدفع أكثر وأكثر!