info@zawayamedia.com
لبنان

ثلاثي الفساد والصبي العاق!

ثلاثي الفساد والصبي العاق!

وكأننا نعيش في نعيمٍ لا أثر فيه لأزماتٍ وحروبٍ وويلات وانهيارات ومتاهاتٍ تضع مستقبل البلد وناسه في مهبّ المجهول.


وكأنّنا لسنا في قبضة ثلةٍ من المتحكمين بمفاصل حياتنا ومقدّرات البلاد، من مفسدين وفاسدين وسماسرة سلطة وأمراء حروب وحيتان جشعة تزداد شراسةً وجوعاً كلما غرفت من أرزاقنا ونهشت في مـا تبقّى من آمالنا.


وكأننا لسنا في أسفل قعر دول العالم التي تتجنّب منحنا صفة الدولة المارقة حفظاً لذلك الخيط الخفيّ من المصالح الذي لا يزال يربط بينها وبين لبنان.


وكأننا لسنا شعباً تضاعف مستوى الفقر فيه بمعدّل ثلاث مرّات في غضون عقدٍ من الزمن، ويعيش نحو نصف مواطنيه - بل 70 بالمئة منهم في بعض المحافظات - تحت خط الفقر، مقارنةً بنسبة 12 بالمئة في العام 2012، كما ورد في تقرير صادر عن "مجموعة البنك الدولي" بعنوان "تقييم وضع الفقر والإنصاف في لبنان 2024: التغلب على أزمة طال أمدها".


وكأننا لا نقف على عتبة حربٍ تتواصل تداعياتها السلبية منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على الواقع الاقتصاديّ والمعيشيّ، في ظلّ غياب الحلول في الأفق المنظور، وتساؤلاتٍ مشروعة عن إمكانية النهوض من هذه الكارثة التي طالت وتطال وتهدّد حياة وأرزاق عشرات آلاف العائلات في كل لحظة، وعن إمكانيات تعويضهم ما خسروه وإعادة إعمار بيوتهم.


كلّ هذه الويلات وضعتها أبرز محطتين تلفزيونيتين في لبنان، هما قناة "إم تي في" وقناة "الجديد" في آخر سلّم اهتماماتهما، ورمتا بها إلى مصاف الأخبار الثانوية أو تلك الحاصلة في بلدانٍ خلف المحيطات، لتخصص كلٌّ منهما مقدّمة الأخبار صبحاً وظهراً ومساءً وبعد منتصف الليل، ومعها تقرير لأكثر من عشر دقائق، للحديث عن "فضيحة" في ملف انقطاع الكهرباء في لبنان، وصولاً إلى العتمة الشاملة التي عمّت أرجاءه أخيراً، تتبادل فيه كلتا المحطتين الاتهامات بالفساد والسمسرة والسرقة والتقصير والابتزاز!


يسعدني دوماً حدوث خلافاتٍ بين متحاصصين، بما يؤدّي إلى كشف كلّ جانب ارتكابات الجانب الآخر بالوثائق والأرقام، وإن كان يحبطني أنّ كل الملفّات التي تُفتح وتفوح منها روائح الفساد النتنة، يكون مصيرها أن تُرمى في أدراج النسيان، ولا تعود تلقى أيّ متابعة أو اهتمام ليس بكشف الحقيقة فحسب، بل بمحاسبة من تنبغي محاسبتهم، وما أكثرهم.


محطة "إم تي في" تتحدث عن "ثلاثي الفساد" تحسين خياط، رئيس مجلس إدارة قناة "الجديد" وولديه كريم وكرمى خياط، وتحمّلهم مسؤولية العتمة، فيما تردّ "الجديد" بكشف سجلات من تسمّيه "الصبي العاق"، وتقصد به ميشال المر، رئيس مجلس الإدارة في "إم تي في"... وهكذا: إنت فاسد، إنت حرامي.. إنت سارق، إنت مرتشي.. إنت مرتزق، إنت عميل.


ما يحصل ليس هفوة مهنية عابرة ترتكبها قناتان تلفزيونيتان لبنانيتان بارزتان، بل هو مؤشر لاستشراء وتغلغل الفساد وتقاسم الحصص في شتى القطاعات، الرسمية منها كما الخاصة، الممانعة كما المعارضة، ودليل على الشخصانية الإعلامية في مقاربة ملفاتٍ فائقة الخطورة، والتلهي بالقشور، بدل كشف المسؤولين بالأسماء والوقائع وتحفيز الناس وقيادة مسار المحاسبة القانونية لأولئك.


ما يجري لا يحلّ أزمة الكهرباء، ولا يحاسب المسؤولين الفعليين عن الانهيار والفساد فيها، بل يحوّل الأنظار عنها إلى وجهةٍ أخرى، لا تفيد ولا تغني ولا تقدّم، بل تؤخر.


 

بسام سامي ضو

بسام سامي ضو

كاتب وصحافي لبناني مقيم في دبي