تعتبر البكتيريا سالبة الغرام الشائعة Pseudomonas aeruginosaشريرة حقيقية بين الميكروبات، فهذا النوع من الجراثيم قادر على التسلل عبر دفاعاتنا إلى أكثر الأماكن المعقمة لدينا، ويستحق هذا القاتل المخادع تصنيفه ضمن قائمة منظمة الصحة العالمية لمسببات الأمراض ذات الأولوية الأولى.
ويواجه معظمنا الميكروب في بيئاتنا اليومية ويخرج سالمًا تمامًا، ومع ذلك، في ظل الظروف الملائمة، فإنه يستغل بسهولة أصغر الثغرات في دفاعاتنا، وينفجر في عدوى رهيبة.
إن كيفية تحول مثل هذه الكائنات الحية الدقيقة في كل مكان إلى تهديد انتهازي كان أمرًا غامضًا، مما دفع فريقًا دوليًا من الباحثين إلى التحقيق في التاريخ التطوري للأنواع عن كثب.
وبقيادة علماء من جامعة كامبريدج، طورت المجموعة شجرة عائلة وراثية مكونة من 596 سلالة، والتي ترتبط بصورة وثيقة، واستنادًا إلى 9829 عينة بكتيرية مأخوذة من مجموعة متنوعة من المصادر البشرية والحيوانية والبيئية حول العالم، ويعود تاريخ بعضها إلى العام 1900، ومن بين هذه السلالات، وجدوا أن 21 سلالة فقط كانت مسؤولة عن الغالبية العظمى من حالات العدوى، لقد كان التطور السريع على مدى القرنين الماضيين هو الذي أعطانا مثل هذا العامل المعدي الخطير.
يموت أكثر من نصف مليون شخص كل عام كنتيجة مباشرة لعدوى P. aeruginosa، وهو أمر يصعب علاجه بشكل خاص بفضل مجموعة أدوات البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية المجهزة جيدًا، ونظرًا لقدرتها على البقاء على قيد الحياة بسهولة في وقود الطائرات كما هو الحال في المياه النقية تقريبًا، يبدو أن قدرة P. aeruginosa على التكيف لا تعرف حدودًا، كما وأن لديها مجموعة المهارات الغريبة هذه تجعلها مشكلة خاصة في أماكن الرعاية الصحية، حيث حتى أكثر الممارسات الصحية ليست كافية لإبعاد العدوى.
ويعاني مرضى المستشفيات خصوصا أولئك الذين يعانون من أمراض الرئة المزمنة مثل التليف الكيسي (CF) cystic fibrosis وتوسع القصبات bronchiectasis، وفي الواقع، اكتشف الباحثون أن العديد من السلالات المعدية للبكتيريا قد طورت تقاربًا قويًا للأشخاص المصابين بالتليف الكيسي. وبإلقاء نظرة فاحصة، وجدت أن هذه السلالات قد طورت طرقًا مستهدفة لاستغلال الحالة الصحية الضعيفة لمرضى التليف الكيسي، مما يساعد الميكروبات على تجنب التدمير على أيدي الأجهزة المناعية لمضيفها، وبعد العثور على مساحة جديدة آمنة للبقاء على قيد الحياة داخل الخلايا المناعية المكلفة بإزالتها، استمرت سلالات P. aeruginosa الخاصة بالتليف الكيسي في التطور من خلال مبادلة عوامل المقاومة مع بعضها البعض مثل الوصفات في وجبة غداء عائلية.
ويجسد هذا الاكتشاف قدرة العامل الممرض على استخدام قدرته على البقاء لاقتطاع مجالات جديدة في البيئات القاسية، مما يمنحه مساحة لجمع الأدوات التي يحتاجها بهدوء لتحقيق قفزة تطورية أخرى.
يقول المؤلف الرئيسي أندريس فلوتو Andres Floto، وهو عالم الأحياء التنفسية ومدير مركز ابتكارات التليف الكيسي في المملكة المتحدة بجامعة كامبريدج: "من منظور سريري، كشفت هذه الدراسة عن معلومات مهمة حول الزائفة، لقد كان التركيز دائمًا على مدى سهولة انتشار هذه العدوى بين مرضى التليف الكيسي، لكننا أظهرنا أنها يمكن أن تنتشر بسهولة مثيرة للقلق بين المرضى الآخرين أيضًا."
إن معرفة مدى سهولة انتشار أشكال شديدة المقاومة من مسببات الأمراض يفرض ضغوطًا أكبر على تطوير تدابير الفحص والعزل فائقة الكفاءة.
ومن غير المرجح أن تصبح P. aeruginosa عدوًا يمكن هزيمته بسهولة. لكن معرفة نقاط قوة الميكروب أمر حيوي إذا أردنا منعه من التطور إلى تهديد أكثر خطورة من أي وقت مضى.
يقول فلوتو: "لقد علمتنا أبحاثنا على الزائفة أشياء جديدة حول بيولوجيا التليف الكيسي وكشفت عن طرق مهمة قد نتمكن من خلالها تحسين المناعة ضد البكتيريا الغازية في هذه الحالة وربما في حالات أخرى".
وقد نشر هذا البحث في مجلة Science.
الصورة الرئيسية من Wikipedia