سواء كنت تستخدم اليد اليمين أو اليسار أو تستخدم كلتا يديك، فإن "استخدام إحدى اليدين" هو جزء من هويتنا، لكن الكثير من الناس لا يدركون أن لدينا تحيزات أخرى أيضًا وأنها ليست مقتصرة على البشر، ولذا لقد قامت جيليان فوريستر Gillian Forrester أستاذة الإدراك المقارن في جامعة ساسكس وزملاؤها بنشر دراسة جديدة توضح أن مواءمة هذه التحيزات أو الميول أو التفضيل (وسنعتمد الترجمة الأولى أي التحيزات في هذا المقال) لدى البشر بنفس الطريقة قد تحقق فوائد اجتماعية.
فعبر الثقافات المختلفة، يتمتع البشر بمستويات عالية من استخدام اليد اليمنى (حوالي 90 بالمئة)، ولكن لدينا في الوقت عينه تحيز سكاني قوي في كيفية التعرف على الوجوه والعواطف، كما وأن الغالبية العظمى من السكان أسرع وأكثر دقة في التعرف على الهويات والعواطف عندما تقع ضمن المجال البصري الأيسر مقارنة بالمجال البصري الأيمن.
وعادة ما تتطور هذه الأنواع من التحيزات في أدمغتنا في مرحلة الطفولة المبكرة. يتحكم نصفا الجهة اليمنى واليسرى من الدماغ في العمل الحركي على الجانبين المتقابلين من الجسم، فإذا كان مجالك البصري الأيسر هو المسيطر، فهذا يعني أن الجانب الأيمن من دماغك هو المسيطر في التعرف على الوجوه والعواطف.
حتى وقت قريب، اعتقد العلماء أن التحيزات السلوكية كانت فريدة من نوعها بالنسبة للبشر، لكن الأبحاث التي أجريت على الحيوانات على مدى العقود العديدة الماضية أظهرت وجود تحيزات سلوكية في جميع فروع شجرة الحياة الفقارية.
على سبيل المثال، تكون الكتاكيت التي تنقر بحثًا عن الطعام مع انحياز العين أفضل في التمييز بين الحبوب والحصى. كما أن الكتاكيت ذات العين المتحيزة لمراقبة الحيوانات المفترسة تكون أقل عرضة للأكل من الكتاكيت غير الجانبية. تشير الدراسات إلى أن الحيوانات ذات التحيزات تميل إلى الأداء بشكل أفضل في المهام المتعلقة بالبقاء على قيد الحياة في التجارب المعملية، وهو ما يترجم على الأرجح إلى معدل بقاء أفضل في البرية.
لكن الكتاكيت التي تتمتع بأفضل ميزة هي تلك التي تفضل عينًا واحدة على الأرض (للعثور على الطعام) والعين الأخرى على السماء (للبحث عن التهديدات). من فوائد "الدماغ المنقسم" divided brain أن الحيوانات البرية يمكنها البحث عن الطعام والبحث عن الحيوانات المفترسة، وهي مهام متعددة مهمة.
فلماذا لدى الحيوانات تحيزات سلوكية؟
تشير الأبحاث إلى أن تحيزات نصف الكرة المخية تطورت لأنها تسمح لجانبي الدماغ بالتحكم في السلوك المختلف بشكل متزامن، كما أن هذا يحمي الحيوانات من أن تصبح مشوشة، إذا كان لدى كلا جانبي الدماغ سيطرة متساوية على الوظائف الحيوية، فقد يوجهان الجسم في نفس الوقت لتنفيذ استجابات غير متوافقة.
لذا فإن التحيزات تحرر بعض الموارد أو "القدرة العصبية"، مما يجعل الحيوانات أكثر كفاءة في العثور على الغذاء والحفاظ على سلامتها من الحيوانات المفترسة.
كما وتشير الدراسات التي أجريت على الحيوانات إلى أن وجود تحيزاتنا، وليس اتجاهها (يسارًا أو يمينًا)، هو ما يهم بالنسبة للأداء. لكن هذا لا يفسر سبب استخدام الكثير من الأشخاص اليد اليمنى في المهام الحركية وانحياز المجال البصري الأيسر للتعرف على الوجوه.
ومنطقيا، يجب أن تكون لدى كل شخص فرصة بنسبة 50-50 في الانحياز إلى اليسار أو اليمين. ومع ذلك، في جميع أنحاء المملكة الحيوانية، فإن غالبية الأفراد في نوع ما يصطفون في نفس الاتجاه.
يشير هذا إلى أن محاذاة التحيزات مع الآخرين في مجموعتك قد يكون لها ميزة اجتماعية social advantage، على سبيل المثال، فإن الحيوانات التي تتوافق مع السكان أثناء السلوك التعاوني (المياه الضحلة، والقطيع) تقلل من إمكانية اصطيادها من قبل حيوان مفترس، إن القلة التي تبتعد عن القطيع أو المياه الضحلة تصبح أهدافًا واضحة.
على الرغم من أن البشر منقسمون إلى حد كبير بغض النظر عن خلفيتهم العرقية أو الجغرافية، إلا أن هناك دائمًا أقلية لا يستهان بها بين السكان، مما يشير إلى أن هذا التحيز البديل له مزاياه الخاصة.
النظرية السائدة هي أن الانحراف عن التعداد السكاني يمنح الحيوانات ميزة أثناء التفاعلات التنافسية، من خلال خلق عنصر المفاجأة. وقد يفسر ذلك سبب كثرة استخدام اليد اليسرى في الرياضات التفاعلية الاحترافية مثل لعبة الكريكيت والبيسبول.
في أول دراسة من نوعها، قام علماء من جامعات ساسكس، وأكسفورد، وويستمنستر، ولندن (سيتي، وبيركبيك)، وكينت، بوضع تحيزاتنا السلوكية البشرية على المحك، وقام الفريق العلمي بالتحقيق في الارتباطات بين قوة تحيز اليد والأداء وكذلك اتجاه التحيزات والقدرة الاجتماعية. لقد تم اختيار السلوك الذي يتوافق مع البحوث الحيوانية، وشارك في هذا التحقيق أكثر من 1600 شخص من جميع الأعمار والأعراق.
فعادة لا تستخدم دائمًا يدك المفضلة: فبعض الأشخاص يستخدمون يدًا خفيفة أو معتدلة أو قوية، لذلك، قمنا بقياس مدى استخدام إحدى اليدين لدى المشاركين لدينا باستخدام مهمة لوحة التحكم المحددة بوقت لمطابقة الألوان. لا يعلم الجميع ما إذا كان لديهم تحيز في المجال البصري، لذلك قمنا بتقييم ذلك للمشاركين باستخدام صور الوجوه التي تعبر عن مشاعر مختلفة (مثل الغضب والمفاجأة) المعروضة على الشاشة.
وكان الأشخاص الذين لديهم تحيز يدوي خفيف إلى متوسط القوة (يسارًا أو يمينًا) وضعوا أوتادًا مطابقة للألوان بشكل صحيح أكثر من أولئك الذين لديهم تحيز قوي أو ضعيف. تشير هذه النتائج إلى أن الحالات المتطرفة عند البشر قد تحد من مرونة أدائنا، على عكس الحيوانات البرية.
كان لدى غالبية المشاركين انحياز قياسي (استخدام اليد اليمنى في المهام الحركية، وانحياز المجال البصري الأيسر للتعرف على الوجوه) ولكن ليس الجميع.
ولاختبار ارتباطات المهارات الاجتماعية واتجاه التحيز، تم تصنيف المشاركين حسب تحيزاتهم اليدوية والجانبية البصرية في واحدة من أربع مجموعات: قياسية (اليد اليمنى، الرؤية اليسرى)، على اليمين (اليد اليمنى، بصرية يمين)، على اليسار، اليد اليسرى والرؤية اليسرى، والعكس (اليد اليسرى والعين اليمنى). كما أكملوا أيضًا دراسة استقصائية لتقييم الصعوبات الاجتماعية التي يواجهونها.
لم يكن الملف التعريفي القياسي، الموجود لدى 53 بالمئة من المشاركين، مرتبطًا بميزة اجتماعية على المجموعات اليسارية أو اليمينية المزدحمة. ومع ذلك، فإن المجموعة المعكوسة، والتي كانت نادرة نسبيًا (12 بالمئة)، ارتبطت بدرجات اجتماعية أقل بكثير مقارنة بالمجموعات الأخرى، كان الأشخاص في المجموعة المعكوسة أكثر عرضة بأربع مرات للتشخيص الذاتي لمرض التوحد أو اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD).
لا يمكننا أن نقول من هذه الدراسة ما إذا كانت هناك علاقة سببية بين الصورة المعكوسة والتوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، ومع ذلك، فإن الباحثين يخططون لإجراء بحث لمعرفة ما إذا كانت ملفات تعريف التحيز يمكن أن تكون بمثابة علامة خطر مبكرة لمرض التوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أثناء مرحلة الطفولة، مما قد يمهد الطريق للفحص المبكر والتشخيص وتطوير تدخلات جديدة.
هذه الدراسة هي تذكير بأننا نحن البشر لدينا تاريخ تطوري، نتشارك معظمه مع الحيوانات الأخرى، وأننا بحاجة إلى دراسة أنفسنا في سياق المملكة الحيوانية الأوسع إذا أردنا أن نفهم حقًا أدمغتنا وسلوكنا الحديث.
عن The Conversation بتصرف للبروفسورة جيليان فوريستر