قد لا يكون الحل الأفضل لآلام أسفل الظهر غير المحددة هو استخدام كرسي مكتب مريح على أعلى مستوى، أو القيام بزيارات منتظمة إلى طبيب العلاج الطبيعي لاستخدام معدات خاصة، بل هو حل بسيط وفي متناول الجميع!
وجدت تجربة عشوائية في أستراليا نشرت نتائجها في مجلة "لانسيت" The Lancetالعلمية المرموقة، طريقة فعالة للغاية للتعافي من الألم المؤلم في أسفل الظهر الذي لا يمكن أن يعزى إلى مرض أو إصابة تم تشخيصها، ويمكن الوصول إليها في أي وقت وفي أي مكان دون أي ثمن على الإطلاق، والأمر لا يتجاوز أكثر من مجرد نزهة.
اتضح أن القيام بخطواتك اليومية لا يؤدي فقط إلى تحسين عملية التمثيل الغذائي و نظام القلب والأوعية الدموية و تحسين المزاج، مما يساهم في حياة أطول وأكثر صحة فحسب، بل يمكن أن يؤثر أيضًا على الجهاز العضلي الهيكلي، ما يمنع ويخفف من آلام الظهر.
يعترف أخصائي العلاج الطبيعي مارك هانكوك Mark Hancock من جامعة ماكواري في أستراليا: "نحن لا نعرف بالضبط لماذا يعتبر المشي مفيدًا جدًا للوقاية من آلام الظهر، ولكن من المرجح أن يشمل مزيجًا من الحركات التذبذبية اللطيفة، وتحميل وتقوية هياكل وعضلات العمود الفقري، فضلا عن الإسترخاء وتخفيف التوتر، وإطلاق الإندورفين الذي يشعرك بالسعادة."
وتعتبر آلام أسفل الظهر واحدة من تلك الأمراض الجسدية التي قد يكون من الصعب التخلص منها بشكل محبط بمجرد حدوثها، وما يقرب من 70 بالمئة من الأشخاص الذين يتعافون من نوبة آلام أسفل الظهر يعانون من تكرارها خلال العام التالي.
وقد وجدت الدراسات السابقة أن التمارين الرياضية يمكن أن تقلل من خطر عودة آلام أسفل الظهر، ولكن هذه التجارب تضمنت عادة برامج تمارين جماعية، تتطلب إشرافًا دقيقًا واستخدام معدات باهظة الثمن.
إلا أنه عندما قام فريق دولي من الباحثين، بقيادة علماء في جامعة ماكواري في أستراليا، بالبحث في الأدبيات العلمية في عام 2019، لم يعثروا على تجربة واحدة عشوائية مضبوطة A randomized controlled trial (RCT) أخذت بعين الاعتبار ما إذا كان المشي ببساطة يعمل على تخفيف آلام الظهر بنفس الطريقة.
ما هي RCT
التجارب العشوائية المضبوطة (RCT) هي نوع من التجارب العلمية، غالباً ما تستخدم في المجال الطبي، لاختبار فعالية التدخلات مثل الأدوية أو علاجات جديدة. تُعتبر هذه التجارب المعيار الذهبي للبحث السريري، حيث توفر أدلة قوية وموثوقة حول فعالية التدخلات قيد الدراسة، وهناك مبادئ أساسية لهذه التجارب وهي أولا، العشوائية، وهي جوهر التجربة العشوائية المضبوطة، حيث يتمّ تقسيم المشاركين بشكل عشوائي إلى مجموعات مختلفة، غالباً باستخدام برنامج كمبيوتر، لضمان حصول كلّ مشارك على فرصة متساوية للانضمام إلى أيّ مجموعة، وثانيا مجموعات التحكم، حيث تشتمل التجارب العشوائية المضبوطة عادةً على مجموعتين رئيسيتين، المجموعة التجريبية، التي تتلقى هذه المجموعة التدخل الجديد قيد الاختبار (مثل دواء جديد أو تقنية علاجية)، ومجموعة التحكم التي تتلقى هذه المجموعة إما دواءً وهمياً (مادة خاملة لا تملك أيّ تأثير) أو العلاج القياسي الحالي للمقارنة، وثالثا التعمية وهو خيار اختياري، وقد يكون تعمية فردية، أي لا يُدرك المشاركون أيّ مجموعة ينتمون إليها، ممّا يقلّل من تأثير توقعاتهم على النتائج، وتعمية مزدوجة حيث لا يُدرك لا المشاركون ولا الباحثون أيّ مجموعة ينتمي إليها المشارك، ممّا يقلّل من التحيز بشكل أكبر.
أما مميزات هذه التجارب فهي تعطي أدلة موثوقة عما اذا كان التدخل المعني فعالا بالفعل، كما وتساعد على إثبات العلاقة السببية بين التدخل والنتائج المُلاحظة.
الدراسة
وقد تابع الباحثون تجربتهم التي شملت 701 مشاركًا، أكثر من 80 بالمئة منهم من الإناث، الذين عانوا مؤخرًا من نوبة من الألم غير المحدد في مكان ما بين الضلع الثاني عشر وثنية الأرداف استمرت لمدة يوم على الأقل.
لم يتلق نصف المجموعة أي علاج لآلام الظهر لمدة عام أو أكثر، وفي الوقت نفسه، شارك النصف الآخر في تدخل تعليمي ومشي يتضمن ست جلسات تعليمية مع أخصائي علاج طبيعي مسجل، والذي قام بتدريب المشاركين من خلال علم الألم وبرنامج المشي في المنزل.
كان الهدف هو أن يجد المشاركون الوقت والطاقة للمشي خمس مرات أسبوعيًا لمدة 30 دقيقة على الأقل بحلول ستة أشهر، وإذا تكررت آلام أسفل الظهر لديهم، وكان الأمر سيئًا بدرجة كافية للحد من نشاطهم البدني، كان على المشاركين إخبار الباحثين بذلك عبر البريد الإلكتروني.
بعد الانتهاء من الدراسة التي استمرت ثلاث سنوات، وجد الباحثون أن مجموعة التدخل أثناء المشي كانت لديها تكرارات أقل لآلام الظهر المنهكة مقارنة بالمجموعة الضابطة.
فأولئك الذين مارسوا التمارين الرياضية بانتظام أمضوا متوسط 208 أيام قبل أن يعانوا من أول تكرار لآلام أسفل الظهر، مقارنة بـ 112 يومًا للمجموعة الضابطة.
تقول المؤلفة الرئيسية وعالمة الصحة ناتاشا بوكوفي Natasha Pocovi: "لم يقتصر الأمر على تحسين نوعية حياة الناس فحسب، بل أدى إلى تقليل حاجتهم إلى الحصول على دعم الرعاية الصحية ومقدار الوقت الذي يستغرقه التوقف عن العمل بمقدار النصف تقريبًا".
ووفقًا لبعض التقديرات، قد يعاني ما يصل إلى 843 مليون شخص من آلام أسفل الظهر بحلول عام 2050، وفي الوقت الحالي، يعد هذا السبب الرئيسي للإعاقة في جميع أنحاء العالم، ويرجع ذلك على الأرجح إلى أنماط الحياة الحديثة المستقرة.
ويعتبر المشي تمرينا منخفض المخاطر ومتاح على نطاق واسع للكبار والصغار والأغنياء والفقراء، إنها أيضًا واحدة من الأنشطة البدنية الأسهل التي يمكن دمجها في نمط حياة مزدحم، ونظرًا للفوائد المحتملة العديدة، فإن القيام بنزهة سريعة يعد علاجًا وقائيًا لآلام الظهر التي لا ينبغي إهمالها بعد الآن.
*بتصرف عن Science Alert
*تم الإستعانة بالذكاء الإصطناعي AI لإستكمال هذا المقال