لا يمكن وصف الجريمة المروعة التي حصلت في بلدتي بحمدون الضيعة والمحطة، مع نفوق ما يزيد عن 30 كلبا، فضلا عن حيوانات برية، مع رائحة الموت التي عبقت بالمكان، والذي كان مقررا أن يكون مقرا لأول مشروع نموذجي في لبنان وربما في المنطقة العربية، كون مثل هذا المشروع وبمعايير أوروبية وعالمية تم تطبيقه في مدينة إسطنبول بنجاح منقطع النظير، حيث تعيش الحيوانات الشاردة من كلاب وقطط في المجتمع، متآلفة مع أهالي المدينة والزوار، وليس ذلك فحسب، بل أصبحت المدينة نموذجا حيا للرحمة واالتراحم في المجتمع، وقبلة للسياح من كافة أنحاء العالم.
وقد تم تناقل الجريمة على مواقع التواصل الإجتماعي مثل النار في الهشيم، وخصوصا وأنه تمت مواكبته من قبل العديد من الناشطين في مجال الرفق بالحيوانات، خصوصا الناشطة غنى نحفاوي عن هذه الجريمة، التي وصفت هذا الأمر بالمجزرة وبسقطة العمر، بحق مشروع راق كما أوصت به منظمة الصحة العالمية للحيوانات.
⚠️مجزرة في بحمدون...والجميع مذنب⚠️
بين بحمدون الضيعة وبحمدون المحطة مسافة متقاربة من الانغماس في جريمة بحق 27 كلب مسالمين اليفين خضعوا ولفترة 8 اشهر لمشروع راقٍ اوصت به منظمة الصحة العالمية للحيوانات وطبّقتها اهم الدول المتحضّرة، وهي خصي الذكور وتعقيم الإناث واعطائهم اللقاحات… pic.twitter.com/snPTgdyxVh
— Ghina (@GhinaNahfawi) June 17, 2024
وهذا كان هدف مشروع رائد في بلدة بحمدون الضيعة، والذي بدأ من حوالي سنة، حيث حمل ناشطون على عاتقهم عملية تعقيم وخصي ومعالجة وتطعيم كلاب القرية، مع إنشاء بيوت خشبية في الشوارع بعيدة عن الشارع العام والمساكن، وبحيث لا تشكل مجموعات، أي تم توزيع البيوت هذه على كافة المناطق في القرية وبحيث تمنع تجمعها، ولكنها تؤدي العمل المنوط بها، بحماية منطقتها من أي غريب، سواء كلاب غريبة أو حيوانات برية.
وفي هذا المجال، قال أحد الناشطين في هذا المشروع وهو ف. خ.: "كان هدفنا أن نحتفظ بالكلاب في البلدة بصورة آمنة كما وتمنح السلام للجميع، وقمنا بتنفيذ نموذج أوروبي معتمد، وتشكل حلا مستداما لمشكلة الكلاب الشاردة بالمحافظة على الكلاب الموجودة بدون زيادة عددها، عبر القيام بعمليات خصي وتعقيم منظم حتى لا تكثر أعدادها، وكنا نزودها باللقاحات لحماية البشر والكلاب والعلاجات المختلفة وبحصص غذائية يومية، كما وزعنا بيوتها موزعة ومنفصلة في شوارع القرية وبعيدا عن البيوت وعن الطريق العام، ونظمنا وجودها بطريقة لا تتعارض مع وجود المواطنين، وبالفعل كانت الكلاب جميعها مسالمة، واعتادت العيش في محيطها دون أي مشاكل تذكر، وقمنا بإرسال كلب واحد كانت له مواصفات لا تطابق هذه الشروط إلى مأوى لهذا الهدف، وهو مجهود يحصل للمرة الأولى في لبنان، حيث منعنا تجمع الكلاب الشاردة ضمن مجموعات بتوزيعها في نطاق جغرافي كبير ضمن معيار عالمي للتوزيع وفي بيوت خاصة تعطي ليس منظرا راقيا للبلدة بل مضمون نوعي للمشروع، وحاولنا الوصول إلى الأهالي بمشروعنا بأهدافه، وكان هناك من يتقبل المشروع وهناك من يعارضه، لتحصل موجات منظمة ضده، حيث كان الجو العام لدى عدد قليل من المواطنين، بعدم الموافقة على أي حل لقضية الكلاب الشاردة، وأن الحل الوحيد بقتلها وبأي طريقة ممكنة أو إرسالها إلى منطقة أخرى، ولكننا استمرينا لأنه باعتقادنا بوجود هذا العدد الكبير من الكلاب الشاردة في منطقة جبل لبنان، فمن واجبنا حماية أكبر عدد ممكن نستطيع حمايته وفي الوقت نفسه، نأمل عند نجاح المشروع أن يتم تطبيقه في بلدات عدة في المنطقة، وطموحنا الأكبر أن يتم تطبيقه في كل البلدات".
وتابع: "كان المشروع بالتعاون مع بعض المغتربين الذين آمنوا بالفكرة، ودعموها وبهذا تمكنا من تنفيذها، علما أن أحد الحملات التي واجهتنا هي أنه بدلا من استخدام الأموال في هذا المشروع أن تستخدم بمكان آخر، لتبدأ من الأسبوع الماضي حملات تسميم شرسة متتابعة ومنظمة، خصوصا بعد أن قدم أحد المواطنين قطعة أرض للإحتفاظ بالكلاب خلال فترة الصيف، بنقل الكلاب وبيوتها إليها، حيث يعود المواطنون والمغتربون إلى القرية للتصييف، لأنه عادة فعدد المواطنين المقيمين بالقرية قليل ولكنه يرتفع خلال الصيف، وبهدف عدم إزعاج أحد والمحافظة على الكلاب بالآن عينه".
وأوضح الناشط خ.: "لكن مسلسل التسميم بدأ في منطقة تفصل بين بلدتي بحمدون الضيعة وبحمدون المحطة، كانت إحدى الناشطات واسمها ر. س.، (فضلنا عدم ذكر أسماء الناشطين لحمايتهم وليتمكنوا من متابعة عملهم) تعتني بكلبتين مع جراوٍ، لتجد أن جميعها تسممت ما عدا 5 جراوٍ كانت لا تستطيع المشي وفي مكان بعيد، واعتقدنا أن هذه الحادثة منفردة في البداية، وتابعنا كاميرات المنطقة لنحاول العثور على الجاني، وبعدها تحصل حادثة تسميم ثانية لإحدى الناشطات واسمها ر. خ.، كان لديها 3 كلاب تهتم بهم وبينهم كلبة لشخص تبناها وجميعها معقمة، وهي كلاب مسالمة وجميع أهالي الحي الذي يتواجد فيه هؤلاء الكلاب ليس لديهم أي مشكلة بوجودهم، وطلبنا رأي طبيب بيطري الذي أشار إلى أن سم الفئران الذي قد تستعمله المطاعم أو المنازل، وهو نوع من السموم التي تمنع التجلط Rodenticide anticoagulant يتطلب بين 5 و10 أيام ليقتل كلبا، حيث يتوقف عن الطعام، وهو أمر لم نلحظه لدى هذه الكلاب، ولكن العلامة الفارقة التي لاحظناها وجود صحون صغيرة على مقربة من الكلاب، وقد اكتشفنا عملية التسميم هذه الساعة السابعة صباحا، وبدأنا نبحث عن الجاني، وبدون إثارة أي مشاكل مع أحد، لنفاجأ بتسميم كلاب في قطر تجاوز 3 كيلومترات ضمن بلدتي بحمدون الضيعة والمحطة، ومواقع التسميم تجاوزت 7 مواقع، مع نفوق 30 كلبا وجدناهم بالإضافة إلى حيوانات برية مثل ابن آوى وثعالب".
ولحظ أن "حملة التسميم هذه اختلفت عن حوادث التسميم التي مرت علينا كناشطين من قبل، بأنها ليست منظمة فحسب، بل كان الجناة يضعون السموم يوميا، وكل يوم بمكان مختلف، ويضعون السموم في صحون حتى لا نعرف نوع السموم لنتمكن من معالجة الكلاب، واكتشفنا لاحقا من خلال فيديو موجود لدينا وسنقدمه ضمن الأدلة في الدعوى التي سنقيمها حول هذه القضية، أن أحد الأشخاص الذي ربما تم "توظيفه" لهذه المهمة، وهو يجمع السموم التي تم وضع السموم فيها، ليخفي آثار الجريمة، علما أن جميع الكلاب تم تسميمها وداخل بيوتها في مناطق بعيدة عن الشوارع العامة، عدا الحادثة لدى ر. خ".
وأشار الناشط خ. إلى أن "البلديات بدأت بإلقاء التهم على الذين عادوا من بيروت للتصييف، وبأنهم ربما انزعجوا من الكلاب، ولكن وجدنا أنه من غير المعقول والأمر المنطقي أن يتم هذا العمل المنظم وتنفيذه بدون تخطيط من قبل أفراد منفردين، بل ومن المتوقع أن أحد أو مجموعة من أعضاء هذه البلديات متورطة وبكل الأحوال، فهناك غض نظر عن أعضاء متورطين بالتخطيط والتنفيذ، ولذا فالقانون اللبناني في هذا المجال، يجد بأن هذا العمل يرتقي من مجرد جنحة لجريمة منظمة متعمدة مع سابق الإصرار، وحتى لو كانت ضد حيوانات، وهي ملامح لمجرم يمكنه ارتكاب جرائم مماثلة وأفظع ضد البشر، وهي ما يبحث عنه في الغرب للقبض على مثل هؤلاء المجرمين".
واعتبر الناشط خ. أن المشروع "كان ناجحا بنسبة 80 بالمئة، وبهدف أن يكون ناجحا فيجب أن يشمل البلد بكامله، وهو ما يأمله الناشطون، ولكن الأنانية التي يتمتع بها الأشخاص، حيث يتبعون راحتهم على حساب الطبيعة وكل مخلوقاتها، ومن جهة أخرى، يرمون التهم على الكلاب بالنفايات، فمن يرمي النفايات خارج الحاويات، وهي التي ينبشها الكلاب، والدليل ان الكلاب اختفت ولم تختف النفايات، ومن جهة أخرى، من تسبب بوجود هذه الكلاب في الشوارع، أليسوا البشر، وفي حال وجود منطقة مفرغة من الكلاب، فلا بد أن تأتي كلاب دخيلة، قد تكون عدائية ولا يمكن السيطرة عليها، بينما هذه الكلاب تآلفت مع المحيط والناس، وبالعكس قدمت خدمات جمة للمنطقة بمنع الدخلاء من الحيوانات على أنواعها، وساهم التلقيح بمنع انتشار الأمراض التي تنتقل من الحيوانات إلى الإنسان".
وأشار إلى أنه تبقى من المجموعة حوالي ست كلاب كانت في مناطق فرعية وبعيدة، وهي خسارة لما تم إنجازه حتى الآن، ويفتح الباب للكثير من التساؤلات حول مدى وعي البشر الحقيقي بما تسببه هذا العمل المجرم، خصوصا مع إمكانية رمي كلاب من مناطق أخرى في المنطقة، كما يحصل يوميا في كل البلدات، بينما كان يوجد فريق حراسة دون أجر ليحميها.
وعن الخطوات المستقبلية، قال الناشط خ.: "هناك حملة مواجهة لهذه الجريمة، كون هناك حيوانات أليفة تم تسميمها، خلال تمشيتهم كلابهم، وبالتالي سيشاركون بهذه الحملة، خصوصا وأن السم المستخدم شبيه بمادة اللانيت المحظورة، ووفقا للطبيب البيطري بأنها مادة اللانيت وبنسبة 90 بالمئة، ولكن الكمية كبيرة، ولا يمكن الحصول عليها محليا كونها لا توجد بأي من المتاجر والصيدليات الزراعية كونه محظور وبيعه تماما، ولكن يمكن أن يتم الحصول عليها عبر التهريب، وقد يكون نوعا من سموم الجراذين التي تعمل على الجهاز العصبي، أي يعمل مثل مادة اللانيت وفقا للطبيب البيطري، حيث يعمل خلال ربع ساعة، وحاليا ثمة دعاوى حق عام تحضر ومدعومة بشكاوى ليتم التحقيق وبحق كل من يظهر في الفيديوهات المصورة، والتي تشمل أمور لا تحدث بالصدفة، منها جمع الصحون والتأكد من نفوق الكلاب، وسيحدد التحقيق حينها المتورطين".
في الختام، ندعو البلديات والوزارات المعنية للعمل بجدية في هذا الملف الذي يمسها جميعا، خصوصا وأن عدد هذه الحيوانات الشاردة، أي الكلاب والقطط يتزايد باضطراد، والعمل على هذا الفساد المستشري فيها بدلا من الإنتقام بهذه المخلوقات الضعيفة، عليها العمل على الرشى والتقدمات المالية التي ساهمت بهذه المجزرة، فمن المؤكد وجود طرف خفي يدفع للشخص الذي سمم للكلاب، بالإضافة إلى ملفات أخرى تطاول البلديات، والتي بدأنا نشعر بوطأتها أكثر مع الصيف، وذلك عبر انقطاع مياه الشرب، بينما نشطت حركة بيع المياه بالمقابل، وحرائق طاولت حرشا قضى على خلايا نحل، فضلا عن قطع الأشجار الحرجية للتدفئة شتاء، وملف النفايات المزمن وغيرها من القضايا التي تمس كل مواطن، على أمل أن تحصل الإنتخابات البلدية، وتكون لصالح مواطنين وليس لصالح تجار حطب ومياه وأصحاب ضمائر ميتة، يرون في القتل والتسميم وسيلة لغايات مشبوهة.