info@zawayamedia.com
لبنان

مأساة وفاة الطالبة نسرين عز الدين... لبنان الوطن المثقوب!

مأساة وفاة الطالبة نسرين عز الدين... لبنان الوطن المثقوب!

تسارعت الأحداث في لبنان منذ حراك 17 تشرين من العام 2019، متخذةً منحى دراماتيكياً عصف بالبلد ومؤسساته، ودمّر مرفأ بيروت وبعض أحيائها، موقعاً أكثر من مئتي ضحية وآلاف الجرحى، وأطاح بالأمان الاجتماعي نتيجة استشراء سياسة الفساد والمحاصصة، وصولاً إلى نهب ودائع الناس وحرمانهم أبسط حقوقهم.. ولا يزال هذا المسار متواصلاً، ملقياً بظلاله القاتمة على أكثر من نصف اللبنانيين المثقلين بهمومٍ قد تعاني من تبعاتها أجيالٌ مقبلة، ولاسيما أولئك الذين يعيشون في مـا يسمّى بـ "الأطراف"، أي المدن والقرى البعيدة عن بيروت، والتي من المستغرب أن تكون طرابلس الفيحاء، عاصمة الشمال ضمنها، وهي الغنية بالكثير من الثروات الأثرية والبيئية والثقافية والفنية، دون أن ننسى "الثروات الفردية". طرابلس التي دفعت الأوضاع المتردية بعشرات أبنائها إلى ركوب قوارب الموت، سعياً إلى حياةٍ لقوا حتفهم قبل أن يبلغوها، ناهيك عن تفشي مظاهر السرقة والسلب وانتشار تعاطي المخدّرات فيها، هرباً من الواقع المزري.


هذه الحال لم تحبط والد الطالبة نسرين عز الدين، ابنة الأربعة عشر عاماً، ولم تحل دون إصراره على تزويدها بالعلم ليكون معينها في المستقبل الذي انتهت رحلتها إليه قبل أن تبدأ، إذ بدلاً من أن تحلّق كفراشةٍ فرحة في فضاء الحلم الأجمل، سقطت من ثقبٍ في الأرضية المهترئة لحافلة المدرسة التي تقلّها، فرحلت إلى ظلمة العدم.


حال نسرين وأقرانها كحال جميع اللبنانيين، وحال حافلتها المدرسية كحال لبنان: وطنٌ مهترئ، تملأه الثقوب التي لا قدرة لدى من يُفترض بهم المسؤولية على سدّها، بل لا رغبة لديهم في ذلك.


وطنٌ مهترئ، ملأته الحروب ثقوباً يصرّ بعض أبنائه على أن يروا المستقبل من خلالها.


وطنٌ، أمعن زعماء الطوائف في بنيانه ثقوباً يصرّون على إعادة فتحها، كلما آلت إلى شفاء.


وطنٌ خزائن الوزارات والمؤسسات فيه مثقوبة، تصبّ مداخيلها في مزاريب الفاسدين والمفسدين.


وطنٌ، يرمي بنيه في ثقوب: الموت، والعوز، والفساد، والهدر، والمحاصصة، والتناحر، والتبعية، والهجرة، والانقسامات الطائفية والمذهبية والمناطقية، والعجز، والتسليم، والضياع، وفقدان الأمل، وتعدّد الانتماءات والولاءات، والانفصام عن الواقع، والإتجار بالدين، والتكاذب، والتخوين، والقمع، والترهيب، والقتل، والتفلّت الأخلاقي، والانهيار المجتمعي.


وطنٌ.. حتى سدود المياه فيه مثقوبة.


وطنٌ، جيوب الناس فيه مثقوبة، وفضاءات آمالهم ملأى بثقوبٍ تتسرّب منها أحلامهم!

بسام سامي ضو

بسام سامي ضو

كاتب وصحافي لبناني مقيم في دبي