أشار البنك الدولي في تقرير حديث إلى أن منظومة الأغذية الزراعية العالمية تتيح فرصة هائلة لخفض نحو ثلث انبعاثات غازات الدفيئة في العالم وتحقيق ابنعاثات صفرية من الإنتاج الزراعي الغذائي وباتخاذ إجراءات ميسورة ومعقولة التكلفة، مع الاستمرار في توفير الغذاء للسكان الذين تتزايد أعدادهم.
ويأتي التقرير تحت عنوان: "وصفة لكوكب صالح للعيش فيه: تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية في منظومة الأغذية الزراعية" Recipe for a Livable Planet: Achieving Net Zero Emissions in the Agrifood System الإجراءات التي يمكن لكل بلد اتخاذها، ما يجعل الإمدادات الغذائية أكثر أمناً، فضلا عن مساعدة المنظومة الغذائية على تحمل تغير المناخ على نحو أفضل، وحماية الفئات الأكثر احتياجاً في هذه المرحلة الانتقالية.
وجاء في مقدمة التقرير "لقد تم تجاهل نظام الأغذية الزراعية العالمي إلى حد كبير في مكافحة تغير المناخ. ومع ذلك، فإن انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن نظام الأغذية الزراعية كبيرة للغاية، لدرجة أنها وحدها يمكن أن تجعل العالم يفشل في تحقيق هدف الحفاظ على متوسط درجات الحرارة العالمية من الارتفاع فوق 1.5 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة. ويجب خفض انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن الأغذية الزراعية إلى الصفر بحلول عام 2050 لتحقيق هذا الهدف. "وصفة لكوكب صالح للعيش: تحقيق صافي انبعاثات صفرية في نظام الأغذية الزراعية" يقدم أول إطار استراتيجي عالمي شامل للتخفيف من مساهمات نظام الأغذية الزراعية في تغير المناخ، ويتناول بالتفصيل التدابير المعقولة التكلفة والمتاحة بسهولة والتي يمكن أن تخفض ما يقرب من ثلث انبعاثات تسخين كوكب العالم بينما ضمان الأمن الغذائي العالمي. وتوفر هذه الإجراءات، التي تشتد الحاجة إليها، ثلاث فوائد إضافية: تحسين موثوقية الإمدادات الغذائية، وتعزيز قدرة النظام الغذائي العالمي على الصمود في مواجهة تغير المناخ، وحماية الفئات السكانية الضعيفة. ويحدد هذا الدليل العملي الإجراءات العالمية والخطوات المحددة التي يمكن للبلدان على جميع مستويات الدخل أن تتخذها بدءاً من الآن، مع التركيز على ستة مجالات رئيسية: الاستثمارات، والحوافز، والمعلومات، والابتكار، والمؤسسات، والشمول. ومن خلال الدعوة إلى التعاون بين الحكومات والشركات والمواطنين والمنظمات الدولية، فإنها ترسم طريقًا لجعل الأغذية الزراعية مساهمًا كبيرًا في معالجة تغير المناخ وعلاج الكوكب.
وفي هذا المجال، قال المدير المنتدب الأول بالبنك الدولي أكسيل فان تروتسنبرغ،: "على الرغم من أن الطعام على مائدتك قد يكون طيب المذاق، لكنه السبب أيضا في نسبة كبيرة من الانبعاثات الناجمة عن تغير المناخ، أما الجانب الإيجابي، فهو أن المنظومة الغذائية العالمية يمكن أن تعالج مشكلات هذا الكوكب، وبالتالي تكون التربة والنظم الإيكولوجية أكثر صحة، فضلاً عن تحسين صحة الإنسان، مع الحفاظ على الكربون في الأرض، وهذا سهل وميسور تحقيقه، لكن على البلدان أن تتحرك الآن، فببساطة تغيير الأساليب التي تستخدمها البلدان متوسطة الدخل في استخدام الأرض، لاسيما، الغابات والنظم الإيكولوجية، لإنتاج الغذاء يمكن أن يخفض انبعاثات الأغذية الزراعية بمقدار الثلث بحلول عام 2030".
ويشير التقرير إلى أن منظومة الأغذية الزراعية يمكن أن تساهم كثيراً في التخفيف من آثار تغير المناخ بتكلفة منخفضة للغاية، ولكنها لم تستغل بعد على هذا النحو. وعلى عكس القطاعات الأخرى، يمكن أن يكون لها تأثير كبير في التخفيف من آثار تغير المناخ بخفض الانبعاثات وسحب الكربون بشكل طبيعي من الغلاف الجوي.
وبهدف تحقيق البلدان أهدافها المناخية، يحدد التقرير قائمة من الحلول، منها:
– يمكن للبلدان مرتفعة الدخل أن تتصدر هذه المسيرة بتقديم المزيد من الدعم للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل حتى تتمكن من اعتماد أساليب وتكنولوجيات الزراعة منخفضة الانبعاثات، بما في ذلك المساعدة الفنية لبرامج الحفاظ على الغابات التي تحقق اعتمادات كربون ذات درجة عالية من السلامة، كما يمكن للبلدان مرتفعة الدخل أيضاً أن تحول مسار الدعم بعيداً عن مصادر المواد الغذائية عالية الانبعاثات، وهذا يساعد في الكشف عن السعر الحقيقي الكامل لهذه المواد، وجعل خيارات الأغذية منخفضة الانبعاثات أقل تكلفة مقارنة بخيارات المواد الغذائية عالية الانبعاثات.
– أما البلدان متوسطة الدخل فعليها القيام بدور أكبر لخفض نحو 75 بالمئة من انبعاثات منظومة الأغذية الزراعية العالمية من خلال ممارسات أكثر خضرة، لا سيما، الحد من انبعاثات الماشية والأرز، والاستثمار في تحسين التربة، والحد من فقدان الغذاء وهدره، واستخدام الأراضي على نحو أكثر كفاءة، ويرتبط ثلث الفرص المتاحة في العالم للحد من انبعاثات منظومة الأغذية الزراعية بالاستخدام المستدام للأراضي في البلدان متوسطة الدخل.
– من جهتها، تستطيع البلدان منخفضة الدخل أن ترسم طريقاً مختلفا للمضي قدماً من خلال تجنب الأخطاء التي ترتكبها البلدان الأكثر ثراءً واغتنام الفرص الذكية المراعية للمناخ من أجل اقتصادات أكثر خضرة وقدرة على المنافسة. والحفاظ على الغابات واستعادتها يعزز التنمية الاقتصادية المستدامة في البلدان منخفضة الدخل، نظراً لأن أكثر من نصف انبعاثات الأغذية الزراعية فيها تأتي من إزالة الغابات لإنتاج الغذاء.
وينبغي التحرك والعمل في جميع البلدان للوصول بصافي الانبعاثات إلى الصفر، من خلال نهج شامل للحد من الانبعاثات في المنظومة الغذائية، ويشمل ذلك استخدام الأسمدة والطاقة، وإنتاج المحاصيل والماشية، والتعبئة والتغليف والتوزيع على مستوى سلسلة القيمة من المزرعة إلى المائدة.
وخلص التقرير إلى أن عائد الاستثمار في أنشطة خفض انبعاثات منظومة الأغذية الزراعية أكبر بكثير من التكلفة، حيث سيتعين زيادة الاستثمارات السنوية إلى 260 مليار دولار سنوياً لخفض انبعاثات الأغذية الزراعية إلى النصف بحلول عام 2030 والوصول بصافي الانبعاثات إلى صفر بحلول عام 2050، ويبلغ حجم الأموال التي تنفق سنوياً على دعم المنتجات والأنشطة الزراعية نحو ضعف هذا المبلغ، وكثير من هذه المنتجات والأنشطة تضر البيئة، وعلى الرغم من أن خفض الدعم الذي يتم إهداره ووصوله إلى غير المستحقين يمكن أن يمول بعض هذه الاستثمارات، فإن توفير التمويل الإضافي ضروري للوصول بصافي الانبعاثات إلى صفر.