تربية وثقافة

فوز رواية السجين الفلسطيني باسم خندقجي بجائزة البوكر العالمية

 فوز رواية السجين الفلسطيني باسم خندقجي بجائزة البوكر العالمية

فازت رواية "قناع بلون السماء" للكاتب الفلسطيني باسم خندقجي بالدورة السابعة عشر للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) للعام 2024، ومن بين مائة وثلاثة وثلاثين رواية، ترشحت رواية خندقجي للجائزة لهذه الدورة كأفضل رواية نُشرت بين تموز/ يوليو 2022 وحزيران/يونيو 2023، وقد تسلمت ناشرة الرواية صاحبة دار الآداب رنا إدريس الجائزة نيابة عن الكاتب الفلسطيني باسم خندقجي كونه محكوم بالسجن المؤبد في إسرائيل.


وقال نبيل سليمان، رئيس لجنة التحكيم في هذه الجائزة: "يندغم في قناع بلون السماء الشخصي بالسياسي في أساليب مبتكرة. روايةٌ تغامر في تجريب صيغ سردية جديدة للثلاثية الكبرى: وعي الذات، وعي الآخر، وعي العالم، حيث يرمح التخييل مفككاً الواقع المعقد المرير، والتشظي الأسري والتهجير والإبادة والعنصرية. كما اشتبكت فيها، وازدهت، جدائل التاريخ والأسطورة والحاضر والعصر، وتوقد فيها النبض الإنساني الحار ضد التحوين، كما توقدت فيها صبوات الحرية والتحرر من كل ما يشوه البشر، أفراداً ومجتمعات. إنها رواية تعلن الحب والصداقة هويةً للإنسان فوق كل الانتماءات".


وللخندقجي ومنذ سجنه في 2004، مجموعات شعرية عدة، من بينها طقوس المرة الأولى (2010) وأنفاس قصيدة ليلية (2013)، وثلاث روايات: نرجس العزلة (2017)، وخسوف بدر الدين (2019)، وأنفاس امرأة مخذولة (2020).


وتنافست مع رواية الخندقجي بالوصول إلى القائمة القصيرة لدورة عام 2024 خمس روايات، لأحمد المرسي (مصر)، أسامة العيَسة (فلسطين)، رجاء عالم (السعودية)، ريما بالي (سوريا)، وعيسى ناصري (المغرب).


لمحة عن باسم خندقجي


وباسم خندقجي روائي فلسطيني ولد في مدينة نابلس، عام 1983. وقد درس الصحافة والإعلام في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، كتب القصص القصيرة إلى غاية اعتقاله في 2004 حيث كان يبلغ من العمر 19 عاماً، ولا يزال يقبع في سجون الاحتلال، تتم محاربته بسبب كتابه هذا بوسائل عدة، ويهاجم في الصحف العبرية، فقط لأنه افلح في نشر روايته ولاقت نجاحاً، وتعمل سلطات الاحتلال على مراكمة المخالفات عليه، كي تجبره على دفع ما فاز به ولا تترك له أي مكافأة مالية يحصل عليها، بعد أن فاز على اللائحة الطويلة ومن ثم القصيرة، لجائزة الرواية العربية، وهذه ليست روايته الأولى، كما أن خندقجي الذي اعتقل في 2  تشرين الثاني/نوفمبر عام 2004 وكان لا يزال في التاسعة عشرة من عمره، وهو يتغلب على سجنه بالحلم والبحث والتعلم، والترفع عن الألم، والكتابة وكأنه يعيش حياة الأحرار، وقد قام بإكمال تعليمه الجامعي داخل السجن عن طريق الانتساب في جامعة القدس، حيث كانت رسالته عن الدراسات الإسرائيلية في العلوم السياسية، وأيضاً تابع إنتاجه الثقافي من داخل السجون، حيث كتب العديد من المقالات الأدبية والسياسية وعن المرأة الفلسطينية التي ناضلت وضحت في سبيل قضيتها، وعن حركة الأسرى داخل السجون الإسرائيلية،


وقد بدأ باسم رحلة الكتابة داخل السجن أولها (مسودات عاشق وطن) وهي عبارة عن 10 مقالات تحكي عن الهم الفلسطيني، (وهكذا تحتضر الإنسانية) وهي عبارة عن تجربة الأسير الفلسطيني داخل السجون وهمه اليومي، وأيضا من كتابته ديوان شعر بعنوان (طرق على جدران المكان) و (شبق الورد أكليل العدم) وأيضاً دراسة عن المرأة الفلسطينية وكتاب (أنا الإنسان نداء من الغربة الحديدية) وكتب روايات: "مسك الكفاية: سيرة سيدة الظلال الحرة"، و"نرجس العزلة" التي قام بإطلاقها في ملتقى فلسطين الأول للرواية العربية عام 2017  في رام الله برعاية وزير الثقافة إيهاب بسيسو، وقامت والدة خندقجي وشقيقه بتوقيع الرواية للحضور بدلاً من الأسير باسم.


وكتب أيضاً العديد من الدواوين الشعرية والروايات، أهمها: ديوان "طقوس المرة الأولى" (2010)؛ ديوان "أنفاس قصيدة ليلية" (2013)؛ رواية "نرجس العزلة" (2017)؛ رواية "خسوف بدر الدين" (2019)؛ رواية "أنفاس امرأة مخذولة" (2020)؛ ورواية "قناع بلون السماء" ( (2023 هذا وترجمت بعض رواياته للغة الفرنسية.


قناع بلون الشمس


الرواية تقع في 240 صفحة، جهد كبير صرفه الكاتب على جعلها غنية بالحيل الروائية، والمعلومات التاريخية، كما الاستشهادات الأدبية، ومحملة برموز ذات دلالات تزيد النص دسامة.


وتروي "قناع بلون السماء" قصة نور الشهدي الشاب الفلسطيني الذي تخرج في المعهد العالي للآثار الإسلامية بجامعة القدس، حيث تبدأ الرواية وهو يسجل رسالة صوتية لصديقه مراد القابع في السجن، يخبره فيها عن رغبته في الكتابة عن مريم المجدلية، هذه هي الإحالة الوحيدة إلى الأسر والسجون، والمناسبة التي تفسح له مجال الكتابة عن بعض ما يدور في نفس السجين أو محبيه، واهتمام نور بطل الرواية كما رغبته الجارفة في الكتابة عن مريم المجدلية، تحتل بالفعل جزءاً مهماً من رواية "قناع بلون السماء"، مما يجعلنا أمام تقنية كتابة رواية داخل الرواية، خصوصا أن صديقه مراد الذي يحضّر لكتابه رسالة بحثية في السجن، يطلب منه أن يجلب له بعض المراجع، تماماً كما كان يفعل باسم خندقجي نفسه، حين يطلب من شقيقه أثناء زيارته أن يوفر له مراجع لكتابة روايته التي بين أيدينا.


لكن الموضوع الأساسي، يبدأ عند عثور نور بطل الرواية على هوية إسرائيلية داخل معطف قديم اشتراه، تحمل اسم أور شابيرا، وتأتيه فكرة أن يتقمص شخصية هذا اليهودي، مستغلاً أن ملامحه بيضاء تشبه الأشكناز، مما يجعله قادراً على العبور بسهولة إلى أماكن محظورة على الفلسطينيين، هكذا يتمكن نور من الحصول على بعض حقوقه المهدورة بسبب الاحتلال والتمييز، أما العبرية التي يتقنها فتصبح بالنسبة له "غنيمة حرب"، وهو يستخدمها ليدرأ كل شبهة يمكن أن تحوم حوله. يجد نفسه، والحالة هذه قادراً على التنقل بحرية والتجول في شوارع القدس وتل أبيب كما رام الله، وحيث يشاء، دون أن يستوقفه أحد. يقول لمراد: "عثرت على قناع واسم لأتسلل من خلالهما إلى أعماق العالم الكولونيالي... أليس هذا ما يقوله صديقك فرانز فانون حول الجلود السوداء والأقنعة البيضاء؟"، لا بل هو يشعر وقد انتقل إلى شخصية أو أنه أصبح أشبه بـ "جيمس بوند".


بعد إقامة قصيرة في منزل الشيخ مرسي في القدس، وسيرة ذاتية مزورة المضمون باسم أور شابيرا، يتمكن نور من تحقيق بعض من حلمه بالالتحاق ببعثة تنقيب يترأسها البروفسور بريان، تضم أشخاصاً من عدة جنسيات، بينهم الإسرائيلية الشرقية أيالان من يهود المزراحيم، أصولها حلبية، تعجب به وإن اتهمته باستمرار بالتشاوف بسبب أصوله الأشكنازية، وضمن فريق التنقيب هذا سما إسماعيل من الداخل الفلسطيني، من حيفا تحديداً، وهي التي ستفتنه أول ما يسمع صوتها، وتوقظ فيه بفضل حسّ الهوية العالي لديها، إحساسه الكبير بالانتماء.


في مستوطنة مشمار هعيمق التي أقيمت على أنقاض قرية أبو شوشة الفلسطينية وزرعت فيها غابة لإخفاء كل أثر سابق، يدور جزء من الأحداث، هناك يقع نور في حب سما، ثم يكشف القناع عن وجهه الحقيقي، لكنها لا تصدقه، وتستغرب كيف له أن يتبنى الهوية التي أنفت منها وكافحت ضدها، لكن حين تتصاعد الأحداث في القدس، ويبدو نور على سجيته أمام سما، ويشعر الاثنان أنهما يقتربان من بعضهما بما لا يسمح بالافتراق.


التفاصيل في العمل كثيرة وباسم خندقجي مولع بهذا، لكنه ربما يتعمق ويكثر في سرد حكاية المجدلية وقضايا إيمانية مسيحية، حتى تستغرقه أكثر مما يحتمل قارئ رواية، نور في النهاية شغوف بكشف ما خفي من قصة المجدلية، يبحث دون كلل يريد أن يردّ على دان براون، وما جاء في روايته "شيفرة دافنشي" من أخطاء لا بد من تصحيحها، بينما يبحث أصحاب البعثة التي انضم إليها عن أشياء أخرى مختلفة تماماً.


البحث هو أحد أعمدة الحكاية، نور يبحث عن نفسه، عن هويته، عن المزاعم التي تنطوي عليها السردية الإسرائيلية، عما يدور في خلد أور، وكيف أنه مختلف عن نور، رغم أنهما يحملان الاسم نفسه بلغتين مختلفتين، هو في حالة بحث عن وقائع تاريخية، عن الآثار التي تخصص من أجلها، وصديقه مراد يبحث في العلوم السياسية، وكل يبحث عما يجعل حياته أكثر وضوحاً.


تذهب الرواية إلى الماضي، إلى التاريخ، لكنها تعود بنا إلى الزمن الحاضر، إلى أجواء سادت أثناء وباء "كوفيد"، والأحداث الأليمة التي رافقت محاولة تهويد حي الشيخ جرّاح، إلى "حماس" التي تهدد وتتوعد، بسبب ما تقوم به إسرائيل من اعتداءات في القدس.


لعل التفاصيل جميعها، تصبح في نظر القارئ هامشية أمام المقاطع القوية التي تدخلنا إلى خوالج نور وهو يلبس جلد أور، يتحاور معه، ويتصادم، يعيش صراعاً عميقاً وعنيفاً، حقاً هي المقاطع الأمتع والأكثر تشويقاً، بحيث نلحظ أنه قادر على أن يتقمص شخصية أور، من دون أحمال مسبقة. الكثير من السماحة والكبر، والقدرة على لبس قناع الآخر، حتى ولو كان عدواً يضع الأصفاد في يديك، يقيدك ويضعك خلف الجدران نصف عمرك.


أسلوب سردي منساب، لكن الحيل الروائية، تخرجه من بساطته وتأخذه إلى حبكات متوالية، وكأن نور بقناعه يجتاز اختبارات واحدها تلو الآخر، ليترك لنا نهاية مفتوحة. وهي الخاتمة التي تبقى مشرعة، لتفسح لخندقجي الفرصة ليكمل رباعيته التي وعد بها. هكذا تصبح "قناع بلون السماء" مجرد جزء أول من سلسلة ستتوالى أحداثها. وهو ما يفسر، الحرص على بناء أحداث مركبة تساعد في فتح أبواب كثيرة قادمة. فكل تفصيل يمكن أن يكون ممراً إلى مكان جديد، يأخذنا إليه الكاتب بحنكته الروائية.


بتصرف عن وكالات


 

"زوايا ميديا"

قسم التحرير

تابع كاتب المقال: