صدمت شخصيا بالصورة الرئيسية لهذا المقال، كونها وبرأيي المتواضع من أكثر الصور بشاعة التي شاهدتها منذ زمن، وسواء كانت بتقنيات الذكاء الإصطناعي أو صورة حقيقية، فهي لا تقل بشاعة عن مشاهد الصيد الجائر للطيور المهاجرة وهي تقتنص بلا هوادة، بلا رادع أخلاقي، حيث ينتظر شعوب أوروبا عودتها لتعشش في بلادها، ولتعيد دورة الحياة كما كانت، ويمكن وصفهم بمدمني القتل، هذه اللذة المحظورة والمقيتة والمتمثلة بالصيد الجائر.
إلا أن هذه الصورة وفيها فراخ نافقة تصيبنا في الصميم، لأنها تستهدف الطيور المستوطنة، التي لا يرأف مجرمو الصيد الجائر لحالها، ويقومون بصيد كل ما يطير، وخصوصا في فصل الربيع، فصل التكاثر، حيث ينتظر الصغار عودة الأم والأب لإطعامهم، وعند تخلفهم عن ذلك، فإن الصغار مصيرها في معظم الأحيان الهلاك.
وعدا عن الصيد بهذه الطرق الجائرة، فإن البعض يعمد إلى سرقة الأعشاش، والتجارة بالفراخ، وبعض هذه الأنواع أصبحت نادرة في البرية، مثل الحسون وغيره، ولا يمكننا إلا الإشارة إلى فيديو ومقال سابق، لأحد الفنانين أمير يزبك الذي يربي صغار نوع من الطيور، ليتمكن من اقتناص طيور أخرى عبر نداء الإستغاثة التي تطلقها الطيور المأسورة، هي طرق "جهنمية" بالإعتداء على البرية وكائناتها.
كيف يمكننا الوقوف أمام كل هذا الظلم؟ عدا عن إيقاظ الضمير الذي ربما يشهد موتا سريريا، فلا حل إلا بالتبليغ عن هذه المخالفات، والتوعية حولها، وفضح المرتكبين وبكل الوسائل، بالتوثيق والتأكد والتدقيق من المعلومات، ولعل ما يقوم به بعض الأفراد وبصور فردية يستحق الإشارة والإضاءة إليه في هذا المجال.
نبدأ بالناشط الدكتور ميشال صوان وهو رئيس الجمعية اللبنانية للطيور المهاجرة، حيث يقوم يوميا بالمشاركة مع قوى الأمن الداخلي، بمواجهات ميداينة مع الصيادين الجائرين، متابعين مصادر إطلاق النار في منطقة الشمال، والقيام بتوقيفات للمخالفين، ولكن هذا الأمر على الرغم من نجاعته في التقليل من الجرائم التي ترتكب، ولكن لا يمكن لفرد واحد أن يحد من كم الجرائم التي ترتكب، ولذا فإن النتائج هي طيور نافقة وجريحة يتم جمعها في ملجأ الجمعية لعلاجها، والتي بلغ عددها 30 طائر لقلق جريح حتى حينه وغيره من الطيور الجريحة وبعضها من أنواع مهددة بالإنقراض، وكان آخرها 15 طيور لقلق جريحة وعدد من الطيور الجارحة، وقد وصل عدد الطيور التي توجد في ملجأ الطيور الخاص بالجمعية إلى 100 طائر، وباعتبارنا فهذه التدخلات بقعة ضوء وسط هذا الظلام، لأن التعديات تطاول كافة المناطق اللبنانية، التي تفتقر بمعظمها إلى تدخلات ناجعة، ما يفاقم الأزمة وعدد الطيور الجريحة.
وقد تمكن صوان وخلال الأشهر السابقة من كبح جماح هؤلاء الصيادين الجائرين، وبالتعاون مع قوى الأمن الداخلي، وعبر مجهود يومي بمتابعة هؤلاء شمالا وبالتحديد في نواحي جبل تربل، حيلان، بوسيط، كفرحبو وغيرها، وهي من "المناطق الحامية" Hotspots للصيد الجائر، والتي أدت إلى تدني نسبة الصيد الجائر بأكثر من 90 بالمئة وفقا لصوان.
ويشير صوان في حديثه لموقع "زوايا ميديا" إلى أن "العقوبة ليست رادعا في هذه الحالة، فعلى الرغم من المخالفات التي تمكنا بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي من توقيف الفاعلين، فإن المبلغ لكل مخالفة 500 ألف ليرة، أي لا يتجاوز 6 دولارات، فضلا عن مصادرة الأسلحة المستخدمة إن كانت غير مرخصة، بينما يتم إعادتها إن كانت مرخصة، وبالتالي فالعقوبة الرادعة التصاعدية بمبلغ أكبر، يمكن أن تساهم بالحد من هذه المخالفات".
من جهة ثانية، فإن المؤثرين على وسائل التواصل الإجتماعي، الذين يتابعون التعديات على الحيوانات سواء الأليفة مثل الكلاب والقطط الضالة، أو البرية، وكذلك الذين ينشرون وسائل بصرية (فيديوهات وصور) توعوية، يساهمون بشكل كبير في الحد من هذه التعديات، ونذكر منهم غنى نحفاوي التي دأبت ومنذ سنوات على فضح ممارسات همجية، لدرجة أننا لا نصدق أحيانا أنها تحصل في مجتمعنا الذي يصف نفسه راقيا ومتحضرا، إلا أنه عندما نصل إلى اللذة المحظورة والمقيتة والمتمثلة بالصيد الجائر، فالبعض يعتبرها هواية، ووسيلة للربح السريع، عبر المتاجرة بهذه الأرواح، بيعا في المطاعم ومحال السوبرماركت، كما يظهر هذا الإعلان الذي ينتشر في كافة مناطق لبنان، والذي نضعه برسم الجهات الأمنية كدعوة صريحة للقتل والصيد بالطرق الجائرة، أو بيع للفراخ دون أي رادع أخلاقي، بينما يصل البعض إلى وصفها إدمانا، لأن الشخص الذي يقوم بها، يمكنه التخلي عن واجباته تجاه أسرته في مقابل اقتناء سلاح الصيد وعتاده.
وختاما، أمام مجتمع الصيد الجائر، الذي لا نبالغ إن قلنا أنه يشكل حوالي 90 بالمئة من مجتمع الصيادين، والذي يحاربه الصيادين الملتزمين والناشطين وقوى الأمن الداخلي وغيرهم، فإن الوضع يصبح مدعاة للهزل والسخرية من قبل هؤلاء "الفرقعجية" من الجهود المبذولة في الحد من تعدياتهم، ولكن عندما نعود إلى الصورة "الصادمة" يدرك الكثيرون أن ما يقوم به البعض من تبليغ وملاحقة، هو أمر بديهي ومطلوب لنتمكن من الوصول إلى نتائج مرجوة، واعتبار المعلومات الواردة في هذا المقال بمثابة إخبار للجهات والوزارات المعنية، على أمل أن يزال وطننا لبنان من القائمة السوداء للدول التي تقتل دون هوادة الطيور والحيوانات والبيئة.
![الصيد الجائر... ومدمنو القتل المحظور والمقيت! 1](storage/news/25819/0_25819.jpeg)